لم تمر سوى أسابيع قليلة على اتفاق كل من السودان وتشاد على تطبيع العلاقات بينهما، حتى شهدت عملية التسوية بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، كبرى حركات المتمرد فى إقليم دارفور، انفراجة قوية تمثلت فى توقيع اتفاق إطارى، أمس الأول، أعلن بمقتضاه وقف إطلاق النار بين الطرفين تمهيدا لإعادتهما لطاولة المفاوضات على القضايا الخلافية، وتوقيع اتفاق سلام شامل ونهائى قد يؤدى لإنهاء حركة التمرد التى يشهدها الإقليم السودانى منذ نحو 7 سنوات. ورغم أن هذا الاتفاق ليس نهائياً فإنه يحمل فى طياته صفقات عدة على الصعيدين الداخلى والخارجى، سيكون الرابح الأكبر فيها جميعا الرئيس السودانى عمر حسن البشير، الذى سارع فور الإعلان عن الاتفاق إلى إلغاء أحكام الإعدام الصادرة على نحو 100 من عناصر حركة العدل والمساواة،. فعلى الصعيد الداخلى ضرب الرئيس السودانى عدة عصافير بحجر واحد، أكبرها هو تهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية والتشريعية التى تشهدها السودان فى أبريل المقبل. ولكن اقتراب ملف النزاع فى دارفور من الحسم السلمى سيصب فى مصلحة البشير، لأنه سيحسن صورته داخليا وخارجيا. بجانب ذلك يمهد الاتفاق الطريق لتنظيم الانتخابات فى إقليم يوازى فى مساحته دولة فرنسا، الأمر الذى سيعطى حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فرصة للتمدد فى الانتخابات على حساب المعارضة والحركة الشعبية المتمردة السابقة فى الجنوب وشريكته فى الحكم. وميدانيا يظل الاتفاق مهماً لأنه يخرج الحركة، التى تعتبر بشكل عام أقوى حركة مسلحة فى دارفور حيث ينتمى قادتها إلى قبيلة «الزغاوة»، من الحسابات العسكرية مع بقية حركات التمرد الأخرى. على الصعيد الخارجى يدعم هذا الاتفاق موقف البشير لعقد الصفقات مع واشنطن والدول الغربية خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وتقليم أظافر تنظيم القاعدة التى بدأت تطول بشكل مؤذ فى اليمن والصومال وهددت بإغلاق مضيق باب المندب. ويدعم صحة ذلك تقارير صحفية غربية ذكرت أن هناك صفقة تم انضاجها على نار هادئة خلال الأشهر القليلة الماضية بين مسؤولين أمريكيين وسودانيين مقربين من الرئيس عمر البشير، سيتم بموجبها إسقاط التهم الموجهة للبشير بارتكاب جرائم حرب فى إقليم دارفور والتى جعلته مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية. وتقتضى الصفقة المرتقبة فى المقابل أن يوقف السودان عمليات القتل الجماعى فى دارفور، ويمنع استخدام أراضيه كقاعدة للإرهاب، والاستفادة من ثروات السودان لاسيما النفطية والمعدنية لصالح التنمية، ومنح واشنطن تسهيلات أمنية على البحر الأحمر وإعطاء الشركات الأمريكية عقوداً نفطية خاصة فى دارفور.