لأسبوع كامل، سحبت نفسى، وعقلى من ضجيج القاهرة وترهات بعض مثقفيها، إلى حيث أجمل أرض، وأطيب شعب، فى مصرنا الحبيبة، إلى أسوانوالأقصر، ضمن وفد صحفى (75 فرداً بأسرهم) فى رحلة سنوية، تشرف عليها (لجنة النشاط) بنقابة الصحفيين بجهد مخلص ومقدر للزميل جمال عبد الرحيم، وعمل جاد للأستاذ نادر سعيد الذى لازمنا طيلة الرحلة، سحبتنا أسوان بنيلها وناسها وآثارها الجميلة، إلا أنها رغم ذلك وضعتنا فى مواجهة ساخنة مع مشروع توشكى الفاشل بامتياز، سواء على مستوى إهدار الثروة أو بيعها لسماسرة من عينة أمير روتانا، لكى يهددوا لاحقاً من خلالها أمن هذا الوطن المستباح! وفى مواجهة أكثر سخونة مع خطط التنمية الناقصة فى صعيد مصر المحروم رغم أنه كان وسيظل، عبر النيل والسد العالى، هو البوابة الجنوبية للأمن القومى المصرى. إنها رحلة مع الطبيعة، وإليها، ومع الناس، وعنهم، وما كان لأمثالنا من المهمومين بهذا الوطن الجميل، المُبتلى، إلا أن يسجلوا بعض الملاحظات، عن خطر قادم، يتهددنا، من الجنوب الذى نسيناه، ولم نتذكره إلا مع (أوبرا عايدة)، و(طريق الكباش)، وحكايات زاهى حواس عن اكتشافاته التى لم نرها، فى بلاد تعانى البطالة والفقر، وقريباً الإرهاب المسلح!! أسجل ما يلى عن أسوانوالأقصر، عل ما نكتبه يساهم ولو قليلاً فى إيقاظ النوَّم الهاجعين: أولى ملاحظاتى: أن أسوان تشهد عبر نشاط محافظها الحالى المتواضع والذكى (اللواء مصطفى السيد الذى التقاه الوفد الصحفى لأكثر من ثلاث ساعات من الحوار الصريح) نهضة تنموية جادة، سواء على مستوى تحديث البنية الأساسية من شبكة سكك الحديد أو الطرق الداخلية أو النشاط الصناعى والزراعى والسياحى ... الخ. ورغم هذه الجهود المقدرة فإن المواطن الأسوانى (الذى التقيناه) لا يزال يعانى خاصة بعد التجربة المريرة للسيول، اللافت للانتباه هنا هو ذلك الاعتراف الصريح والشجاع من محافظ أسوان بقضية البطالة، وسعيه الدؤوب لحلها، ولكن السؤال أين الدولة؟ تلك الدولة التى تصرف على التافه والسفيه من الأمور الملايين إن لم يكن المليارات! (هل بلغك نبأ استلام الفنانة هيفاء من وزير الإعلام المصرى مبلغ 25 مليون جنيه كاملة العدد من أجل فوازير رمضان!!) هى ذاتها الدولة التى تبخل على بوابة أمنها القومى الجنوبى (أسوان) بدعم مواز وحقيقى؟ أين هى من مأساة السيول وقرابة الألفى أسرة ما بين مشردة ومدمرة بيوتها؟ وهل تتساوى أسوان فى مجال الدعم المالى مع الأقصر ومحافظها المسنود؟! ثانى الملاحظات: إن أمن مصر القومى فى خطر حقيقى، الخطر قادم من عدة ملفات أسوانية أولها: ملف غامض اسمه ملف النوبة، الذى يوظف أمريكياً وأوروبياً بخبث ودهاء، الملف الثانى الخطير هو ملف (السد العالى) والذى يقف لحمايته وصيانته رجال أولى عزم وإخلاص، من عينة المهندس محمد محمد فرج الله رئيس مجلس إدارة شركة المحطات المائية لإنتاج الكهرباء بالسد العالى، وهو رجل شكلاً وسلوكاً وأخلاقاً معجون بحب الوطن وعشق هذا السد. إن غياب خطط التنمية الشاملة مع الفراغ الاستراتيجى الصحراوى حول أسوان والسد وبحيرة ناصر يغرى بالإرهاب الداخلى والخارجى. ثالث الملاحظات: تلك التنمية الناقصة التى تمثل (الأقصر فى عهد سمير فرج الذى لم يلتق الوفد الصحفى ولم يعتذر عن موعده معهم) أكبر مثال عليها، حيث تقتصر رؤيته على السياحة كمصدر وحيد للحياة والاقتصاد، رغم أن الآثار هناك ليست فى الحالة البديعة التى يروج لها بعض أصدقاء (اللواء الدكتور المحافظ) من الإعلاميين فى (البيت بيتك) أو الصحافة الرسمية، ورغم الإهمال الشديد (لدى صورة التقطها عشرات السياح أرسلتها مع هذا المقال للكلاب وهى تتجول فى معبد الكرنك وسط السائحين وبجوارها رجال سمير فراج يحتسون الشاى فى كسل فريد!!) إن الاعتماد على سياحة الآثار دون مصادر أخرى للتنمية (الزراعة الصناعة التجارة بأنواعها) ورغم توافرها، يعد خطأ بل خطيئة استراتيجية فى حق هذا البلد، ترى ماذا سيكون رد فعل الدولة لو تعرضت السياحة فى الأقصر لحادث إرهابى شبيه بحادث معبد حتشبسوت عام 1997، هل ساعتها ينفع الندم؟! ولا تنتهى الملاحظات، عن قصة محافظتين، أسوانالأقصر، إحداهما تسعى بدأب لإحداث تنمية حقيقية شاملة، لكن الدولة والإعلام ورجال الأعمال يبخلون عليها، والثانية تصر على أن تقيم تنميتها على ساق واحدة، عاجزة، ولا يشغل بال مسؤوليها سوى (الميديا، ورضا أولى الأمر عنهم)، وسلام على أسوان وناسها الطيبين وتحية للأقصر وناسها المنسيين المنزوعة بيوتهم بالقوة (75 بيتاً حتى كتابة هذه الأسطر) ومهددة حياتهم وتنميتهم على طريق الكباش، و«البكاشين»! [email protected]