العزوبية تاج لا يراه إلا المتزوجون، والونس عرش لا يجلس عليه عازب. العزوبية حالة فريدة من الحرية والتهور والوحدة، كوكتيل من الاحتياجات الدائمة والرغبات التى لا تقاوم والخيارات التى لا تنتهى. فى مصر يخوض الأعزب تجربته «بمحض إرادته الحرة»، كما فى قصص مصاصى الدماء، يخرج من ونس الأسرة إلى رصيف الحياة، وهناك من يحسب خطواته بهدوء، والبعض «زى ما ترسى يدق لها». «من 7 سنين عايش لوحدى» هكذا يبدأ رامى رؤوف «22 عاماً» الناشط الحقوقى، المشرف على موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حديثه عن نفسه. يقول رامى: «تركت المنزل منذ 7 أعوام لأسباب تعليمية وشخصية، فى بداية الأمر كان يبدو الوضع سهلاً، ولكن فى أول سنة عرفت أن هناك الكثير لأتعلمه قبل دخول حياة العزوبية». رامى يرى أن حياته كعازب ليست مجرد مرحلة يتعلم فيها الطبخ بدلاً من «أكل الشوارع»، لكنه وبعد تحقق استقلاله المادى بشكل كامل اكتشف طعم الوحدة. يحكى رامى: «الوحدة شعور مختلف عن كل توقعات العازب.. فجأة تهجم عليك وتلازمك لفترات.. فجأة تلاقى نفسك لوحدك من غير حد تشاركه لحظات الحزن والفرح والفشل والنجاح.. ده أصعب شعور ممكن تحس بيه». من حديثه بدا أنه لم يكتشف الوحدة فقط فى رحلة العزوبية.. فقد وجد نفسه فجأة «رئيس جمهورية نفسه»، فهو الذى يتخذ قراراته وهو الرقيب الوحيد على جميع تصرفاته «بدأت الحياة تزداد صعوبة كلما أحسست أننى أوجه دفة الحياة وحدى، وأراقب تصرفاتى وردود أفعالى». حنين رامى لتفاصيل «الونس» لا حل لها، فرغم أن عزوبيته «قرار مش هذار» فإنه حين يتحدث عن الأسرة يضحك قائلاً: «كان فيه أب وأم بيسندوك كل لحظة.. كانت فيه أسرة.. بتعرف تعمل ملوخية كويس كمان». رامى لم يكن مختلفاً عن يزيد حسن (29 سنة)، الطبيب بمستشفى الدمرداش، يزيد أتى من غزة فى بداية الانتفاضة ليتعلم الطب فى جامعة عين شمس، بمرور الوقت أصبح يزيد مصرياً أكثر من المصريين، يزيد سكن مع زميله فى الجامعة بمدينة نصر، ومنذ إغلاق معبر رفح فى 2003 لم يعد يزيد إلى وطنه مرة أخرى. يعيش يزيد فى شقة على مقربة من شارع عباس العقاد، يحكى عن نفسه «أعيش وحيداً منذ سنوات.. ورغم مرور الأصدقاء بين الحين والآخر فإن الوحدة لا تبدو لك إلا ليلاً، حين تجلس بين 4 حيطان تنتظر رنة تليفون أو طرقات خفيفة على الباب تخبرك بأنك لست وحدك». كتب يزيد الشعر وتألق فيه وأصدر ديوانه الأول «الدور على الغرباء»، وكان حفل التوقيع عامراً بالحضور «حفل التوقيع كان أكبر تجمع للونس ممكن الواحد يحصل عليه.. ساعات بافكر إنى كتبت شعر عشان الونس بس».