على من يشعر بالحيرة أمام قرار استبعاد الدكتور أحمد كمال أبوالمجد من المجلس القومى لحقوق الإنسان أن يراجع حواره مع الصديق العزيز محمود مسلم الذى نشر على صفحات «المصرى اليوم» منذ ثلاثة أسابيع. فالحيرة يمكن أن تتبدد بسهولة حين نعلم أن الرجل ذكر أن مستقبل مصر يحتاج إلى قارئة الفنجان، وأن أحداً فى هذا البلد لا يعرف شيئاً عن أى شىء، ووصف المادة «76» من الدستور بأنها سيئة وأن هدفها تقييد الترشح لانتخابات الرئاسة تقييداً شديداً، وأنكر المادة «77»، وقال إن البقاء فى الحكم مرتين «كفاية». والأخطر من ذلك أنه ألمح إلى أهمية توافر اللياقة الصحية فى صانع القرار، مشيراً إلى أنه شخصياً أصبح يعانى من نوع من الضيق بالرأى المخالف، بالإضافة إلى نسيان بعض التفاصيل المهمة فى المسائل التى تطرح نفسها بسبب كبر السن، وود لو يقول «الكلام إليك يا جار»!. ولم ينس «أبوالمجد» فى حواره أن يشير أيضاً إلى أن الأمور فى مصر تسير فى اتجاه التوريث، لكنه استدرك قائلاً «لكن الحياة لا تسير دائماً فى خطها العادى»!، مما يعنى قناعة الرجل بإمكانية وجود ظروف أو مفاجآت تحول دون وصول جمال مبارك إلى سدة الحكم! أذكر بهذه الكلمات التى تدفقت على لسان الدكتور كمال أبوالمجد من باب عرض الحيثيات الخاصة بالحكم الذى صدر باستبعاده كنائب لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان. فالدكتور «أبوالمجد» فهم المسألة «جد» أكثر من اللازم، فأطلق لسانه فى نظام الحكم برموزه الظاهرة والباطنة، وغمز فى قدرة بعضها على الاستمرار، وفى الفرص المتاحة أمام بعضها الآخر للوصول إلى مقعد الرئاسة فى الانتخابات القادمة، ونادى مع القوى المعارضة بتصحيح العوار الشديد فى المادتين رقمى 76 و77 من الدستور المصرى الذى تستند إليه شرعية الجالسين الحاليين (والمستقبليين) على عرش مصر. وقد كان النظام سريعاً فى رد فعله وحاسماً فى قراره حتى يبعث برسالة واضحة إلى كل من يتجرأ على كشف «المفضوح» فى هذا البلد ولا يستطيع أن يمسك عليه لسانه، خصوصاً من الشيوخ الذين يشكلون جزءاً من تركيبة نظام الحكم فى مصر. فالكلام الذى قاله الدكتور أحمد كمال أبوالمجد يتكرر على ألسنة الكثير من المواطنين العاديين، لكن المسألة تختلف عندما يرد على لسان شخص منحه النظام المنصب الذى يعمل من خلاله، ليندفع ب«عنترية» إلى ترديد العبارات والأفكار التى يتناقلها المعارضون أو المحتجون على بعض الأوضاع القائمة. وربما يعطى هذا الدرس العبرة لبعض المسؤولين السياسيين الذين يظنون أن بإمكانهم إرضاء الجمهور واللاعبين السياسيين فى الوقت نفسه!. فما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه، ولا يستطيع إنسان أن يخدم سيدين فى وقت واحد. فمن المستحيل أن تحصل على إعجاب الشعب ورضا النظام معاً، خصوصاً أن كل طرف من هذين الطرفين فى حالة غضب على الآخر، فحديث البعض عن «عورات» النظام «المكشوفة أصلاً» من أجل دغدغة مشاعر الجمهور يؤدى إلى إغضاب الحكام، كما أن إبراز عيوب الناس ولومهم والحديث عن استحقاقهم لما هم فيه تؤدى إلى اشمئزاز الجمهور. وهيهات أن يستطيع أى مسؤول أن ينال الرضا السامى والرضا العام فى وقت واحد. لذلك فإننى أتصور أن إقصاء الدكتور أحمد كمال أبوالمجد سوف يتبعه استبعاد آخرين من شيوخ النظام من مواقعهم. فالدكتور مصطفى الفقى مهدد بالاستبعاد من عضوية مجلس الشعب فى الانتخابات القادمة بسبب تصريحاته حول الرضاء الأمريكى - الإسرائيلى عن الشخص الذى يحكم مصر، والتى أثارت عاصفة من النقد ضده. والدكتور على الدين هلال معرض للخروج من أمانة الإعلام بالحزب الوطنى بسبب وصفه قانون الطوارىء منذ ثلاثة أعوام بأنه «ابن ستين كلب»، وتصريحاته التى قال فيها منذ عدة أيام « محدش فى مصر على راسه ريشه.. ورئيس الجمهورية نفسه ليس فوق القانون» !. وبمناسبة الكلام عن «الريشة» أذكر أن السيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، استخدم هذه العبارة وهو يتحدث عن التعديلات التى أقرت على قانون المرور عام 2008، وقال إنها سوف تطبق على الجميع «لأن محدش فوق راسه ريشة». فهل يمكن أن تعصف «ريشة» الحكم بالسيد صفوت الشريف أيضاً بعد انتخابات مجلس الشورى القادمة؟ وينطبق الأمر نفسه على الدكتور حسام بدراوى الذى لم ينس رغم دفاعه الحار «والحر أيضاً» عن شخص السيد جمال مبارك – منذ عدة أسابيع - أن يقول بالنص «أنا لا أحب التوريث، ولا أتمنى أن ينتقل الحكم بالتوريث بأى شكل من الأشكال»، وهو ما يعطى مؤشراً عن قرب استبعاده من عضوية مجلس الشعب، الذى سوف يعاد تشكيله – بالانتخابات طبعاً – خلال العام الحالى. على كل من «الفقى» و«هلال» و«الشريف» و«بدراوى» أن يحذورا كل الحذر، وأن يعتبروا من قرار الإطاحة ب«أبوالمجد»، فالواضح أن النظام لن يتعامل بأى قدر من التسامح مع البدء فى تنفيذ مخططه لإدارة انتخابات الرئاسة فى 2011. وأتصور أن المعارضة عليها أن تتسلح – هى الأخرى - بالحذر لأن النظام الذى يستسهل الإطاحة بأبنائه تكون قدرته على سحق أعدائه أسهل، وسيف النظام «الغدار» مع الأصدقاء، سوف يكون أشد غدراً مع المخالفين له. وقد كانت للجميع «آية» فى رد الحكومة على دعوة جماعة الإخوان إلى حوار غير مشروط مع الحزب الوطنى باعتقال 14 فرداً من قياداتها، من بينهم نائب المرشد والمتحدث الرسمى باسم الجماعة ومفتيها.. والبقية تأتى!. على الجميع العلم والإحاطة بأن سيف الشباب «غدار» بل شديد الغدر!. وهو لا يبالى حين يضرب بأن «ينغز» الشيوخ مهما كان مقامهم، بل إنه يتوجه أول ما يتوجه إلى الشيوخ لأنهم الأكثر ميلاً إلى التحفظ على طموحات الشباب، وأحياناً ما يتصورون أن بإمكانهم الاحتفاظ بدورهم لدى الشباب الصاعد والطموح الذى يريد أن يرث الأرض بما عليها ومن عليها، وفى الوقت نفسه يحافظون على وقارهم أمام الجمهور من خلال الحديث عن المثل، والصواب والخطأ، وما يليق وما لا يليق، والدستورى وغير الدستورى، والمعقول وغير المعقول، وقد يشتط بهم القول أكثر حين يرفضون فكرة «وجود ريشة فوق رؤوس البعض»، متناسين أن هذه الريشة هى سر التوريث!