هل كتب علينا أن نعيش مع «البعبع» كل حياتنا؟ فى طفولتنا استمرأ أهلونا الطيبون التلويح لنا بالبعبع، كلما أرادوا إرغامنا على فعل ما يريدون، ويرونه فى صالحنا من نوم، أو أكل، أو دراسة، أو نظافة. حين كبرنا، فتحنا عيوننا على «البعبع الشيوعى»، الذى لوحت لنا به الإمبريالية العالمية، ولكن لنفعل ما تريده هذه الإمبريالية، وعلى حساب مصالحنا ولصالح أعداء الأمة. ما إن سقط «المعسكر الشيوعى» (1989) وانفرط عقد الاتحاد السوفيتى بعد سنتين حتى سارع أعداء الأمة الإمبرياليون والصهاينة إلى اصطناع «بعبع» جديد تمثل فى الإسلام الحركى عموماً، وفى منظماته التى سلكت طريق العنف على وجه الخصوص، وهى المنظمات التى سبق أن احتضنها أعداء الأمة فى حربهم الصليبية ضد الشيوعيين فى أفغانستان حيث انخرط كل من اتشح بالإسلام فى حملة قادتها المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A) ضد أفغانستان، وقد أعلن أولئك المتشحون بالإسلام «الجهاد» على الشيوعيين فى أفغانستان، فيما أدار أولئك المتشحون ظهورهم للاحتلال الصهيونى فى فلسطين. رغم مرور كل هذه العقود على الاحتلال الأخير، فإن أحداً من المتشحين إياهم لم يعلن «الجهاد» على الصهاينة وكيانهم، أما المفارقة فتمثلت فى استجابة «المخابرات المركزية الأمريكية» لنداء الجهاد، وقادت «المجاهدين» فى أفغانستان ضد «الملاحدة» وتحت شعار «الله أكبر». فى هذا السياق ظهرت حركة طلابية باكستانية- أفغانية، مدججة بالسلاح الأمريكى، دبابات وصواريخ، ومدفعية، فكانت «طالبان» أول حركة طلابية فى تاريخ البشرية تمتلك ترسانة حربية، ومصدرها لا يخفى على القارئ اللبيب. فى سياق الانقلاب على «البعبع الإسلامى» تم إدراج النظام الإيرانى الثورى، الذى استجد، منذ ربيع 1979، على قائمة «البعبع» الجديد، وتناغمت الجوقة الإقليمية مع المايسترو فى البيت الأبيض، بمجرد أن عمد إلى تغيير إسكرات يديه. فما الذى استجد بالنسبة لإيران؟ يقولون إن النظام الإيرانى شيعى، وكأن النظام الإسرائيلى سنى! أو كأننا نخوض حرباً مذهبية فيما يلح الذين ينشرون الفزع فى شيعية النظام الإيرانى على ضرورة «حوار الأديان» مع مجرمى الحرب شيمون بيريز، وجورج دبليو بوش، علماً بأن الأول ليس حاخاماً، والثانى أبعد ما يكون عن القساوسة، فضلاً عن أننا لا نعادى الإسرائيليين لأنهم يهود، بل لأنهم أبناء حركة استعمارية استيطانية عنصرية توسعية إجلائية إحلالية، وقد اغتصبوا جزءاً عزيزاً من وطننا العربى واتخذوا منه لوحة للقفز على بقية مشروعهم الاستعمارى، «من النيل إلى الفرات» فيما أغراهم الوهن الرسمى العربى على مد أطماعهم من الخليج إلى المحيط، بالهيمنة الاقتصادية، مادام الاحتلال العسكرى مستعصياً لهذه البقعة الواسعة من الأراضى العجيب أن بعض معارضى شيعية النظام الإيرانى علمانيون، يرفضون خلط الدين بالسياسة. نعود إلى النظام الإيرانى الذى لا يصلح معه السلاح الدعائى نفسه المستخدم ضد المنظمات الإسلامية (العنيفة). فبعد تهمة «الشيعية» جاءت تهمة «المصالح الإيرانية» وكأن ثمة دولاً أو مؤسسات أو حتى أشخاصاً بلا مصالح! صحيح أن للنظام الإيرانى مصالح، شأن غيره من الأنظمة، على أن المهم ألا يحقق مصالحه تلك على حساب مصالحلنا فما بالك إذا ما تطابقت بعض مصالح النظام الإيرانى مع مصالحنا، كمواجهة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وكيانها؟! أما تخويفنا بالقومية الفارسية، فأمر ينفيه كون القائمين على هذا التخويف هم الأعداء التاريخيون للقومية العربية. وبعد فلقد كان النظام الإيرانى جيداً عندما كانت تتصدره إحدى أهم ركائز الإمبريالية الأمريكية فى المنطقة والصديق الصدوق للصهيونية وكيانها، وأعنى به الشاه محمد رضا بهلوى ثم ما بال الذين يهاجمون النظام الإيرانى لا يختارون إلا الأداء الصحيح لذلك النظام وهو دعم المقاومة فى فلسطين ولبنان؟! أم أن المطلوب هو صرف أنظارنا عن أعدائنا واستنزافنا فى حرب مع عدو مصطنع؟!