إنها لم تكن مشكلة شجرة أو كاميرا، ولاحتى مشكلة خط أزرق بأمتار هنا أو هناك، بل إن الاشتباكات الإسرائيلية اللبنانية الأخيرة، وقبلها بأسابيع، تعكس صراعا إسرائيليا لبنانيا استراتيجيا على جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والسياسية، شهد تحولات غير مسبوقة على الصعيد اللبنانى داخليا وخارجيا. ففيما يتعلق بالمجال العسكرى يرجح كثير من المراقبين اندلاع حرب فى الشرق الأوسط فى الشهور المقبلة، حيث يرون نوعا من الارتباط العضوى بين حزب الله من ناحية وسوريا وإيران من ناحية أخرى، وأن شن حرب إسرائيلية ضد أى طرف قد تتطور إلى حرب شاملة فى المنطقة. إلا أن دخول الجيش اللبنانى بعملية «العديسة» فى حلبة المواجهة المباشرة مع إسرائيل أدخل تحولا جوهريا فى الأحداث بتجميع الشعب اللبنانى بأسره ضد «العدو الإسرائيلى»، ليخفف الضغط بشدة على حزب الله وسلاحه داخليا، ويضعف الحجج الإسرائيلية والأمريكية الخارجية بتصوير حزب الله كحركة إرهابية، وليغير من معادلة كان البعض يسعى لتثبيتها بأنها حرب بين «إسرائيل وحزب الله التابع لإيران» إلى حرب بين «إسرائيل وكل لبنان». لكن الجيش اللبنانى لم يكتف بذلك، حيث تم عقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الأعلى وخرج ببيان غير مسبوق، بتأكيده الإصرار على الدفاع عن السيادة اللبنانية «مهما كانت التضحيات»، وهى تقريبا لهجة المقاومة اللبنانية نفسها وهو ما حاول الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تثبيته فى خطابه مساء الثلاثاء الماضى بتأكيده أن المقاومة فى خدمة الجيش وتحت تصرفه، ليطرح معادلة تحالف جديدة هى «الجيش.. المقاومة.. الشعب»، مما قد يطرح حلا سحريا للأزمة اللبنانية الداخلية طرحه الزعيم الدرزى وليد جنبلاط ردا على مطالب تل أبيب وحديث بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى عن وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبنانى بعبارة «سلاح المقاومة باق حتى يتم تجهيز الجيش بسلاح مكافئ لإسرائيل»، مطالبا بتوفير مليار دولار لذلك، وبحتمية تحديد العقيدة العربية للجيش ورفض الدعم العسكرى الأمريكى المشروط! وفى تصريحات خاصة للإعلامى غسان بن جدو ل«المصرى اليوم» أشار إلى أنها كانت مجرد عملية جس نبض، وردا على التقارب السورى السعودى اللبنانى للتهدئة.. إلا أنها أحدثت أثرا معكوسا لتصاب إسرائيل بصدمة حقيقية من هذا الرد العنيف الذى لم تكن تتوقعه من قبل الجيش اللبنانى، مؤكدا أن إسرائيل بذلك قامت بارتكاب حماقة كبرى وقدمت مكسبا مركبا لجميع الأطراف اللبنانية: مكسبا سياسيا واستراتيجيا مجانيا لحزب الله كقوة مقاومة شرعية قبل ساعات من خطاب نصرالله، ومكسبا ضخما للجيش اللبنانى كأكبر الفائزين بإثباته أنه القوة الجامعة المصرة على الدفاع عن بلدها. وفى الوقت نفسه، استمرت الحرب الاستخباراتية بين لبنان وإسرائيل بنجاح كبير لأجهزة الأمن اللبنانية التى وصل عدد من اكتشفتهم من جواسيس لإسرائيل منذ 2009 أكثر من 100 جاسوس، كان من أبرزها الإعلان يوم الأربعاء الماضى عن اعتقال الجنرال والسياسى المعروف فايز كرم أحد أهم قادة التيار الوطنى الحر الذى يترأسه الجنرال ميشيل عون. وعلى الصعيد السياسى فقد حمل اتصال الرئيس السورى بشار الأسد بالرئيس اللبنانى بعد دقائق من مواجهات العديسة دلالات واضحة، مع تأكيده على الدعم السورى للبنان، لتعود المعادلة القديمة بصورة جلية.. الحليف السورى والعدو الإسرائيلى.