عندما أهدي الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله بندقية المقاومة الي العميد السوري رستم غزالي، عشية خروجه القسري من لبنان، تجاوز كثير من اللبنانيين سخطهم علي هذه الخطوة التكريمية تجاه شخصية مشتبه بها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وراحوا ينتظرون كيف سيكون التواصل بين سوريا وهذا الحزب عند المفاصل الدقيقة، وكم كانت مفاجأة جمهور المقاومة كبيرة عندما تأكدوا أن طلقة واحدة لم تخرج من فوهة تلك البندقية التي انتزعها من النزوح تحت الراية البيضاء والقتل الجماعي وسط عجز عن توفير الحماية والتدمير التيئيسي وسط المديونية العامة. واستغلت سوريا الأسد التي أدخلت بندقية المقاومة الي "متحف الشعارات القومية"، الحرب علي اللبنانيين وفق المعادلة نفسها التي سمحت في دولة الاقتصاد الموجه لسائقيها أن يرفعوا الي مستويات جنونية أسعار الانتقال ل"الأشقاء اللبنانيين" من لبنان الي سوريا ومن سوريا الي لبنان. وبدل أن تشارك سوريا في المجهود العسكري لتخفيف العبء الكبير عن الحزب الذي طالما ربط نفسه بكل من دمشق وطهران، لجأت الي محاولة الإفادة من الحرب الإسرائيلية علي "حزب الله" ومن خلاله علي اللبنانيين لتدفع باتجاه فتح قنوات حوار بينها وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبغض النظر عن ان واشنطن لن تقبل بمحاورة سوريا قبل أن تغير سلوكيات نظامها الداخلية والاقليمية، فإن دمشق تدرك أن إدارة الرئيس الامريكي جورج بوش جادة الي حدود "التعنت" بحل التنظيم العسكري ل"حزب الله"، وبالتالي فهي عندما تعرض نفسها محاوراً إقليمياً لا تعلن قدرتها علي التأثير الحاسم علي "حزب الله" فحسب بل تعرض خدماتها للقيام بمهمة ضبط "حزب الله" وربما تصفيته لقاء العفو عن هذا النظام وإعادته الي المنظومة الدولية. وقبل أن تبدأ دمشق رقصها علي القبر اللبناني المفتوح، كانت أوساط مؤثرة في دوائر القرار الأوروبي والامريكي تبدي اقتناعها الكامل بدور سوري محوري في دفع "حزب الله" الي فخ ارتكاب خطأ استراتيجي تمثل بخطف الجنديين الإسرائيليين من وراء الخط لأزرق وعلي واحدة من تلك النقاط المعترف بها لبنانياً وإسرائيلياً ودولياً، علي الرغم من ذاك التحذير الذي وصل الي قيادة "حزب الله" من خلال قنوات لبنانية بعد محاولة الخطف التي أجريت قبل نحو شهر ونصف الشهر وانتهت تداعياتها باتفاق لوقف اطلاق النار تم التوصل اليه بجهود بذلها رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري مع الأممالمتحدة وفرنسا والولاياتالمتحدة الأميركية. وكان هذا التحذير يجزم بأن واشنطن لن تتمكن أو لا تريد في المرات اللاحقة، وفي حال تكرر خرق الهدوء المتفق عليه علي الخط الأزرق من ضبط ردة الفعل الإسرائيلية، لأن المسألة والحالة هذه، تكون لها خلفيات اقليمية يستحيل تمريرها أو التسليم بها. وإذا كان وقف اطلاق النار في تلك الفترة قد أشعر القيادات اللبنانية بأن "حزب الله" راغب فعلاً في تهدئة اللعبة الحدودية وجعلت النائب الحريري مدعوماً من الزعيم وليد جنبلاط يندفع الي ضخ الأمل في الوسط اللبناني من خلال مزاوجة النجاح التاريخي المرتقب للموسم السياحي بالتحضير لإطلاق عجلة سلسلة مشاريع توفر عشرات الآلاف من فرص العمل للبنانيين، فإن ما تمّت ملاحظته أن سوريا، وفور إقدامها علي توقيع اتفاق دفاع مشترك مع إيران، أطلقت العنان للموالين لها في لبنان، بحيث ركزوا هجوماً حاداً علي مؤتمر الحوار الو0طني وكان لافتاً للانتباه، أنه في تلك الفترة التي سبقت عملية الخطف، عمد أكثر المرتبطين بسوريا الي التسويق لنظريات غريبة عجيبة عن تغير حاسم في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، بحيث أوهموا "حزب الله" الذي يعاني من حصار ديبلوماسي شبه كامل، أن واشنطن الغارقة في الأوحال العراقية والعاجزة أمام كوريا الشمالية أضعف من أن تسمح بتفجير المنطقة، مهما حصل، وعلي قاعدة هذه القراءة الاستراتيجية التي أوهمت بها سوريا "حزب الله" من خلال شخصيات لبنانية عميلة لها لا تزال تتواصل مع بعض المراكز الأوروبية والأمريكية التي تستقبلهم للاطلاع علي آخر أسرار البيت السوري، اندفع "حزب الله" الي القيام بعملية "الوعد الصادق"، وسط هبّة اعلامية لشخصيات ملتصقة بالحزب لتطمين اللبنانيين الي أن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون سريعة جداً وبالتالي لا داعي للذعر أو النزوح. ولكن كانت النتيجة خلاف المتوقع، بحيث بدا أن ما سمي بالقراءة الاستراتيجية لحلفاء سوريا لم تكن سوي عملية تزوير بهدف إحكام الفخ الذي تمت دعوة "حزب الله" اليه، مما يفتح أمام سوريا أبواب التفاوض للتخلص من عبء المحكمة الدولية الآتية بسرعة ومما ينتج تدميراً للبنان سبق أن هدد به الرئيس السوري بشار الأسد الرئيس رفيق الحريري عشية تمديد ولاية كبير المزورين اميل لحود. وحاولت سوريا في ما سبق أن تتجاوز "حزب الله" في دفع لبنان الي فخ التدمير، من خلال بث التفرقة بين اللبنانيين، وعمدت لاحقاً الي استثمار التابعين لها المتدثرين بالكوفية الفلسطينية لتؤسس لحرب فلسطينية لبنانية ومن ثم لجأت الي تنفيذ أحد بنود الخطة التهديد للواء بهجت سليمان من خلال إطلاق صواريخ "نوعية" علي شمال إسرائيل من الجنوب اللبناني علي يد "مجهولين"، ولكن لبنان تمكن من تجاوز كل ذلك بحرصه علي الوحدة الوطنية هنا وبفعل صلاته الدولية هناك. إلا أن سوريا عادت ونجحت في ايقاع "حزب الله" بفخ يذكر المراقبين بالهجوم الياباني الذي لا تزال أسبابه مبهمة علي "بيرل هاربر" الأمريكية مما أدخل واشنطن الي الحرب العالمية الثانية كما بهجوم "تنظيم القاعدة" الذي كان يأسر أفغانستان علي الولاياتالمتحدة الأميركية في الحادي عشر من أيلول 2001 مما أطلق العنان للقوة التدميرية الأمريكية. وبذلك، تحول "حزب الله" من المستفيد الأول والأساسي من عملية خطف ظن أنها آمنة استراتيجياً الي المتضرر الأول، وفق سيناريو أعاد الي الأذهان الحسابات التي كانت تجعل سوريا المستفيد الأول من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فتحولت بفعل الانتفاضة اللبنانية الجامعة الي المتضرر الأول. وعلي هذه القاعدة، حيث يظهر أن سوريا إما تزوّر المعطيات الدولية لإيقاع حلفائها في الفخ وإما تجهل أن تقرأ العالم الحديث بطاقم آتٍ من العالم القديم، تم وضع لبنان في اتون الآلة التدميرية الإسرائيلية وتم وضع "حزب الله" من خلال عذابات جماهيره وغضب سائر الشرائح اللبنانية علي تبخير جني العمر وتبديد الأمل بالمستقبل، في واحدة من أدق مراحله الوجودية.