شهدت أعمال «ملتقى النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد فى مصر»، مناقشات ساخنة امتدت عبر عدة جلسات على مدار ثلاثة أيام متتالية بمدينة الغردقة. وكانت جلسة «الصحافة الاستقصائية أداة فعالة لمحاربة الفساد» من أكثر الجلسات سخونة، فقد دارت فيها المناقشات بين الصحفيين والكتاب، وبين عدد من رجال الأعمال وممثلى الحكومة حول دور الصحافة الاستقصائية فى مواجهة الفساد، وجاءت الآراء متباينة تخللها نقاش حاد دار بين مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين وبين الدكتورة غادة موسى أمين عام لجنة النزاهة والشفافية بوزارة الدولة للتنمية الإدارية، حيث رأى النقيب فى حديث الدكتورة غادة تعريضاً بدور الصحافة المصرية بعد أن قالت إنها لا تقرأها وتفضل عليها الصحافة الأجنبية، فقام بالتعقيب على حديثها، ثم واصل الحديث عن نفس الموضوع، وعن موضوعات عدة لأكثر من ساعة كاملة فى الجلسة الأخيرة التى اختتم بها الملتقى أعماله. وكان الملتقى الذى نظمه مركز المشروعات الدولية الخاصة بالتعاون مع جريدة «المصرى اليوم» قد افتتح أعماله مساء الجمعة الماضى بكلمة من مجدى الجلاد رئيس تحرير «المصرى اليوم» أكد خلالها على «العلاقة التكاملية» التى قال إنها تحكم العلاقة بين الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى، مشيراً إلى أن الإعلام لن يستطيع تقديم شىء للبلد إلا بالعمل المشترك، وأضاف الجلاد فى كلمته قائلاً إن دور الصحافة والإعلام فى مواجهة الفساد أصبح واضحاً خلال السنوات الأخيرة، وهو الدور الذى قال إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحولات التى تحدث فى المجتمع، مشيراً إلى زيادة اهتمام الشارع المصرى بالشأن العام والأمور السياسية، لافتاً فى الوقت نفسه إلى دراسة أجراها طلاب وباحثو قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة عين شمس استطاعوا من خلالها رسم صورة لواقع الصحف المصرية من خلال تناولها لقضايا الفساد، وختم الجلاد كلمته بالقول إن منظمات المجتمع المدنى هى التى تستطيع أن تدفع لتطبيق القوانين قائلاً «مصر لا ينقصها وجود قوانين، وإنما ينقصها تطبيق هذه القوانين». ثم تحدث الدكتور حسام بدراوى رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطني، ورئيس التحالف المصرى للشفافية قائلاً إن عدم إتاحة المعلومات فى أى دولة نابع فى الأساس من عدم القدرة على الإدارة الرشيدة، إذ إنها ليست مسألة سياسية فحسب، ولكنها مرتبطة بعدم الكفاءة المهنية فى إدارة الأمور، مؤكداً أنه لا شىء سيتغير فى مصر، إذا استمرت حالة الانعزال التى تعيشها بعض مؤسسات الدولة. وانتقد بدراوى فى كلمته حصر البعض فكرة الديمقراطية فى الانتخابات النزيهة، مشيراً إلى أن كثيراً من الديمقراطيات التى قال إنها تتمتع بنزاهة انتخابات جاءت بحكومات «غير كفء»، قائلاً فى ختام كلمته «ممكن نزاهة الانتخابات تقلبك لدولة دينية، أو نظام يعمل تعديل فى الدستور بأى شكل من الأشكال يدعم سلطته ويزيد فرص بقائه فى السلطة». وعقب انتهاء حديث الدكتور بدراوى طلب الدكتور حسن نافعة الكلمة ليعقب على حديث بدراوى قائلاً إنه يختلف مع كل ما قاله جملة وتفصيلاً، مضيفاً فى الوقت نفسه أن لدى الناس فى مصر خلطاً فى فكرة غياب العدالة والفساد، مضيفاً «لدينا مشكلة فى مصر فى صياغة القانون وتطبيقه، والرقابة عليه، كما أن الأجهزة الرقابية التى يناط بها مواجهة الفساد عادة ما يتم تعطيلها». فى حين قال الفقيه الدستورى يحيى الجمل إن قضية الإصلاح السياسى لن يتم علاجها بمعزل عن النظام السياسي، لافتاً إلى أن كل المناقشات تقول إنه لابد من البدء بالنظام السياسى لأنه هو الذى يضع البوصلة. غير أن درجة حرارة الجلسة ارتفعت بعرض الدكتور إبراهيم البحراوى أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة عين شمس لنتائج مسح قام به مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية الخاصة عن مدركات المواطنين المصريين حول الشفافية والفساد لعام 2009، حيث اعترض الأستاذ عبد الغفار شكر نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية على نتائج المسح التى جاء فيها أن ما يقرب من 62% من عينة المواطنين الذين تم إجراء المسح الميدانى عليهم يفضلون نظاماً اقتصادياً مبنياً على دور أكبر للدولة وللقطاع العام، مطالباً بالكشف عن العينة التى قال إن ما يقرب من نصفها ربات بيوت وأميات، وجاء الرد من الأستاذ عبد الفتاح الجبالى مستشار برنامج النزاهة والشفافية ونائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، والذى قال إن المسح أجرى فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث تم العمل على عينة مكونة من 1737 مواطناً تم اختيارهم من ضمن عينة أعدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لدراسة دخل وإنفاق الأسر، وتشتمل عينة الجهاز كما قال الجبالى على 48 ألف أسرة تمثل المجتمع تمثيلاً دقيقاً. لم تخف درجة الحرارة بانعقاد الجلسات التالية وإنما زادت فى الجلسة التى حملت عنوان «الشفافية فى المشتريات الحكومية»، والتى ترأستها الكاتبة الصحفية كريمة كمال وتحدث فيها عبد الفتاح الجبالى قائلاً إن النظام المعمول به فى المشتريات الحكومية يؤدى إلى انتهاك صارخ للقوانين وهو الانتهاك الذى يؤدى بدوره إلى استفادة الأفراد على حساب المصلحة العامة للدولة بطريقة الحصول على حق توريد عدد خاص من الخدمات بالإسناد، فى حين يتم وضع العراقيل أو تعقيد الإجراءات فى وجه الآخرين مما يؤدى إلى فقدان الثقة فى الحكومة، ولحل تلك المشكلة اقترح الجبالى أن يتم نشر صورة كاملة من أى كراسة شروط لتوريد خدمة أو سلعة معينة فى الصحف، كما اقترح تعديل قانون المناقصات والمزايدات الحكومية، وتسهيل إجراءات التقاضى وغلق الطريق أمام الاستثناءات، فى حين تساءلت الدكتورة غادة موسى أمين عام لجنة النزاهة والشفافية بوزارة الدولة للتنمية الإدارية عن دور المكاتب الاستشارية فى المساءلة فى موضوع المشتريات الحكومية، ومن الذى يراقب العملية كلها من تخطيط وتحديد المواصفات، وما هى المعايير التى يتم عن طريقها مراقبة الاختيار، قائلة «للأسف جزء من هذه المسؤولية واقع على الإعلام الذى لا يقوم بدوره فى كثير من الأمور». وعقب أحمد الصاوى الكاتب ب«المصرى اليوم» على حديث الجبالى قائلاً إن ضبط القانون لا يكفى لأن موضوع الشفافية فى المشتريات الحكومية مرتبط بتداول المعلومات وإتاحتها لكل الأطراف، واقترح الصاوى أن يتم استحداث صحيفة رسمية على غرار الوقائع المصرية تتخصص فى نشر المناقصات والشركات التى تفوز بها، ومبررات اختيارها. وفى جلسة «دليل القطاع الخاص لممارسة الشفافية» تحدثت علياء سليمان عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب الأعمال قائلة إن فكرة وضع دليل للقطاع الخاص تأتى لتحسين بيئة العمل، وتحقيق السلوك المهنى السليم، لافتة إلى ضرورة أن يكون من يعد الدليل من داخل المنشأة فلا يصح أن يتم نقل دليل من على شبكة الإنترنت ويتم تطبيقه على المنشأة دون مراعاة ظروفها الداخلية، وأضافت علياء قائلة إنه يجب أن تتم مراجعة الدليل دورياً. على أن أسخن الجلسات على الإطلاق كانت تلك التى حملت عنوان «الصحافة الاستقصائية أداة فعالة لمحاربة الفساد» التى قدم لها محمود مسلم مساعد رئيس تحرير جريدة «المصرى اليوم» قائلاً إن الصحافة تعرضت منذ بداية الملتقى للظلم، وهاجمها الجميع رغم أنها تمثل بارقة الأمل الرئيسية فى ظل الوضع القائم، حتى إن هناك قضايا أثارتها بعض التحقيقات الاستقصائية، تابعها نواب البرلمان بأسئلتهم، استجواباتهم، رغم أنه يظل أمام الصحافة المصرية وقت طويل حتى تنجز موضوعاً صحفياً مثل فضيحة «ووتر جيت» التى تسببت فى ترك الرئيس الأمريكى نيكسون لمنصبه. وتحدث مصباح قطب مستشار الصحافة الاقتصادية ب«المصرى اليوم» قائلاً إن الصحافة الاستقصائية من الممكن أن تكون «خميرة عكننة» للفساد فى مصر، كما أن أكثر الناس سعادة بعملهم هم الصحفيون الاستقصائيون بما يحققونه من إنجازات رغم أنهم من الممكن أن يصابوا بالإحباط إذا تم تجاهل ما يكتبون، قائلاً «الاستقصائيون الحقيقيون هم بالفعل ورثة الأنبياء». وتحدث ياسر عبدالعزيز مدير مركز التدريب والكاتب بالجريدة عن وجود فساد فى الإعلام مطالباً بوجود ما سماه «التنظيم الذاتى»، قائلاً إن «المصرى اليوم» اتخذت خطوات جيدة فى ذلك المجال، ومن الممكن أن تقود بتصدير خبرتها لمن يحتاجها، فى حين قال علاء الغطريفى رئيس قسم التحقيقات ب«المصرى اليوم» إن التحديات التى تواجه الصحافة الاستقصائية كثيرة وهى تبدأ من إيمان المؤسسة بقيمة التحقيقات الاستقصائية، ثم إيمان الصحفى وإرادته فى استكمال تحقيقه، مشيراً إلى التحقيقات الاستقصائية التى أنجزتها الجريدة فى العامين الماضيين ونالت ثلاث جوائز دولية عن ثلاثة تحقيقات منها. وعقب انتهاء الحديث أشاد عدد من الموجودين بتجربة «المصرى اليوم»، وأعرب مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين عن سعادته بالدور الذى لعبته الصحافة المصرية فى العامين الماضيين، قائلاً إن الصحفيين الاستقصائيين الشبان الذين خرجوا من تحت عباءة «المصرى اليوم» هم «ملح الأرض»، وهم السبب فى تقدم الصحافة، ورداً على تعقيب الدكتورة غادة موسى الذى قالت فيه إنها لا تقرأ الصحف المصرية بسبب ما يوجد بها من أغلاط، ولا تطمئن لإدخال صحفى إلى مكتبها، قال النقيب إن هناك أخطاء فى الصحافة تعترف بها الجماعة الصحفية، غير أنه يرفض التعميم، فالصحافة المصرية قدمت إسهامات فى مجال محاربة الفساد، وكانت الطرف الفاعل فى هذا المجال، فقد سبقت مؤسسات حكومية كانت تصدر البيانات عن كشف الفساد من قبل للصحفيين. ورداً على تعقيب الدكتورة غادة موسى تحدث أيضاً مجدى الجلاد رئيس تحرير «المصرى اليوم» قائلاً إن هناك مثلاً صينياً يقول «من علمك الكلام؟ قال: الذين يتكلمون»، مشيراً إلى أن الصحافة المصرية لا تصدر لمن يقرأون الصحافة الأجنبية قائلاً «الصحافة المصرية تصدر ل80 مليون مصرى وبالتالى نحن لا نبحث عمن يقرأنا»، وانتقد الجلاد المسؤولين الحكوميين الذين يغلقون أبوابهم فى وجوه الصحفيين قائلاً «المسؤول الحكومى يعمل فى الحكومة ويتقاضى مرتبه من الحكومة بالتالى لا يحق له أن يغلق بابه فى وجه الصحافة التى تشكل الرأى العام».