من يملك مفتاح الجنة؟ أنا وأنت أم خالق السماوات والأرض؟ ما الذى سيفيدك شخصياً إذا عرفت أن فلاناً فى الجنة أم فى النار؟ من أين تأتيك الجرأة أصلاً لتسأل؟ وكيف يملك آخرون الجرأة على الرد وتقديم المسوغات وكأنهم حصلوا على التوكيل الإلهى بالتسكين فى الجنة أو فى النار؟! كنت أتمنى أن تنهر دار الإفتاء، أى سائل يسأل فى غيبيات أو أمور لا تهمه، ولا تؤثر على عباداته ولا علاقاته مع الآخرين، لكن دار الإفتاء التى تلقت سؤالاً عن والدى النبى الكريم هل هما فى الجنة أم فى النار؟ خرجت ببيان تفصيلى يسوغ وجودهما فى الجنة باعتبار أنهما لم يبلغا الدعوة وكانا بعيدين عن زمن عيسى، عليه السلام، آخر الرسل قبل رسالة الإسلام، لكن خوض دار الإفتاء فى هذا الجدل، الذى لا يفيد أحداً، سيفتح الباب لمزيد من الأسئلة، وستجد من يسألها: هل عم الرسول أبوطالب الذى سانده وآزره ولحق بالرسالة ووصله التبليغ ولم يثبت أنه آمن مع المؤمنين بنبوة ابن أخيه، فى الجنة أم فى النار؟ وغيرها من الأسئلة التى تبدأ من التنقيب فى التاريخ لمعرفة مصائر الناس، إلى السؤال عن رجل مات فى طريقه إلى عمله، هل هو فى الجنة أم فى النار؟ ورجل قتل نفسه بعد عجزه عن تدبير مصروفات بيته فى الجنة أم فى النار؟ ورجل مات وكان لا يصلى، وآخر مات وهو يصلى، وثالث مات وهو فى طريقه للصلاة؟ وكلها أمور لا تخصك ولا تخصنى ولا تخص المفتى. أن تفتح دار الإفتاء الباب أمام تفتيش فى الغيب، لتصنيف الناس حسب مصائرهم فى الآخرة، بعد أن انفتح فى المجتمع هوس التفتيش فى الضمائر، فذلك أمر جد خطير، وكان من الأولى أن يطلب المفتى من صاحب السؤال أن يهتم بنفسه وأن يحاول أن يجتهد ليكون فى الجنة، بدلاً من التفتيش عن مصائر الآخرين. لا أعرف أيضاً كيف يمكن لمؤسسة متبحرة فى علوم الدين أن تقطع بمصير أحد، ومَنْ منحها ومنح غيرها هذا الحق، وماذا ترك السائلون عن مصائر الناس، وأصحاب الفتاوى لله عز وجل يوم القيامة، إذا كان بمقدورهم أن يوزعوا البشر بين الجنة والنار قبل أن يُعرَضوا على رب السماوات والأرض، وقبل الحساب وقبل كل الإجراءات الإلهية التى يحدثنا بها القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية حول المصير. ما الفائدة التى ستعود على الإسلام والمسلمين إذا عرفنا على وجه اليقين مصير والدى الرسول الكريم، وتأكدنا من وجودهم فى الجنة أو فى النار؟ يعرف الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية، تماماً أنه لا فائدة من وراء ذلك على الإطلاق لا على إيمان الناس أو عقائدهم، لكنه يدخل بالمؤسسة الدينية التى يديرها وسط هذا الجدل الأجوف، ولو كنت مكانه لنهرت كل سائل، ووبخت كل مستفتٍ، وقلت كلمة حق لا حقَّ بعدها : «مفتاح الجنة فى يد الله الواحد، لا يشاركه فيه أحد، ولا يملك الغيب أحد سواه، والسؤال عما يخص الله وحده محاولة لمشاركته فيما يملك، ومنازعته فيما اختص به نفسه.. والعياذ بالله». [email protected]