عندما قرر المجلس الأعلى للثقافة تجميد فوز الروائى طارق إمام بجائزة الدولة التشجيعية، انفتح الباب أمام 35 روائيا لإعادة التصويت على الجائزة، خصوصا الروائى عبدالجواد خفاجى، الذى أشارت مصادر من لجنة التحكيم إلى أنه كان قد نال عدد الأصوات نفسها التى حصل عليها طارق إمام، لكن صوت الكاتب الكبير خيرى شلبى، رئيس اللجنة، رجح كفة طارق، على اعتبار أن صوت رئيس اللجنة يحتسب باثنين. الروائى عبدالجواد خفاجى يبلغ من العمر 52 سنة، يعمل مدرس لغة عربية فى الثانوية العامة، يكتب الشعر والقصة والرواية والنقد، حصل على 15 جائزة فى مختلف أنواع الكتابة، نشرت له 3 روايات ومجموعة قصصية، كان أحدث رواياته «بغل المجلى»، الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهى التى ترشح بها للجائزة المتنازَع عليها. «المصرى اليوم» التقته فى بلدته أبوتشت بمحافظة قنا حيث يقيم وكان هذا الحوار. ■ هل تظن أن كونك كاتبا إقليميا عطل فوزك بجائزة الدولة التشجيعية؟ - لا أعتقد أن هذا هو السبب.. نحن من المفترض كتاب هذا الوطن وأنا معروف لأفراد اللجنة كروائى ومعظمهم قرأ روايتى قبل نشرها ولكن الذى عطل فوزى هو فساد المناخ، المصالح الشخصية والأهواء أو كما يقول خيرى شلبى نفسه «نحن نعيش أشد العصور فسادا فى تاريخ مصر» فى مثل هذا الطقس لا يمكننا أن نكون متفائلين ولا علاقة لعدم التفاؤل بكونى إقليميا.. الإقليمية فى حد ذاتها تصنيف يؤكد فساد المناخ. ■ هل طالبت أحدا بحقك فى الجائزة؟ - تنامى إلى علمى من الجرائد أن روايتى كانت متساوية فى الأصوات مع الرواية الفائزة، لولا صوت مقرر اللجنة خيرى شلبى أما وقد ظهر أن الرواية الفائزة مخالفة لقانون الجائزة وللوائح المجلس الأعلى للثقافة وأحيل الموضوع برمته إلى مجلس الدولة، فليس أمامى غير انتظار الرأى القانونى وسوف أحترم رأى مجلس الدولة. ■ وما تعليقك على ما حدث مع طارق إمام؟ - ما حدث مع طارق شىء مؤسف، فمن جهته كان عليه أن يبلغ مجلس الدولة بأن روايته حصلت على جائزة ساويرس، وبالنسبة للمجلس ولجانه كان عليه أن يتحرى، وفى رأيى أن التقصير والخطأ مشترك بين طارق ولجان المجلس. ■ وماذا عن احتمال حجب الجائزة؟ - هناك مبررات لسحب الجائزة، ولا يوجد مبرر واحد لحجبها، وإلا فكل المتقدمين للجائزة غير مؤهلين لها، وهذا لم تقره اللجنة بعد، ونحن لم نخالف قانون الجائزة وبالتالى لا ذنب لنا فيما حدث، وعلى اللجنة أن تجتمع مرة أخرى لتقول كلمتها فى 35 رواية متقدمة لنيل الجائزة. ■ ما الرسالة التى تريد توجيهها لأعضاء لجنة التحكيم ورئيسها والقائمين على الجائزة؟ - ليسوا جميعا حزمة واحدة، لكن الذى حدث يؤكد أن هناك خللا فى عمل اللجان، وعدم دقة، وثمة ما يتناثر من أقوال حول إصرار مقرر اللجنة على منح الجائزة لرواية طارق إمام «هدوء القتلة»، رغم معرفته بأنها مخالفة لقانون الجائزة، لذلك أتوجه إليهم جميعا بضرورة أن يعملوا العدل الذى يصب فى مصلحة المبدع والإبداع، وألا ننسى أننا مثقفون وعلينا أن نكون واجهة مشرفة للثقافة المصرية. ■ بعيدا عن أزمة الجائزة.. على أى نحو تحقق حضور بيئة الجنوب وقاموسها المعرفى والاجتماعى فى مشروعك الإبداعى؟ - لدى مشروع روائى يغوص فى البيئة والمجتمع الصعيدى، ولدى رؤيتى الخاصة التى تطمح نحو الشمولية، ونحو الارتكاز على التاريخ، فالصعيد ليس مميزا ببيئته وإنسانه فقط، ولكن بتاريخه أيضا. وكل كُتَّاب الرواية فى صعيد مصر على ندرتهم يسعون إلى استغلال المعطى البيئى وخصوصية الشخصية، ولكنهم يهملون البعد التاريخى ولا يسعون إلى تقديم رؤية بانورامية للواقع الصعيدى، فيما تظل الرؤى لديهم جزئية تماما كالجُزر المفصولة فى البحر الكبير. ■ كيف تكتب الشعر والقصة والرواية والنقد فى آن واحد؟ - سؤال الكيفية صعب لأننى لم أكن أتعمد ذلك ولم يكن ذلك وليد خطة مسبقة، والتاريخ الأدبى الإنسانى حافل بأسماء كثيرة كتبت الشعر والنثر والرواية، فبالنسبة لى ثمة مؤثرات منذ الطفولة كانت تشدنى نحو الرواية والقصة فما زلت أذكر «مندرة الجد» وضيوفه وأصحابه فى وقت لم تكن سلواهم سوى الحكايا، أما الشعر فلا أظن أن ثقافتى كمعلم لغة عربية بمنأى عنه خاصة أنه فن العربية الأول، والنقد ضرورة ففى الصعيد ثمة حاجة ماسة إليه فى وسط يخلو من النقاد. ■ ما حكاية بغل المجلى؟ - هى حكاية لم تكن متجسدة أمامى إلا فى واقع الناس فى صعيد مصر، حيث الأسطورة التى تزاحم حياتهم، وحيث السلطة الروحية، والغيبية التى تتسلط على عقولهم، بل تزاحم حتى معتقداتهم الدينية فهى وليدة استغراق وتأمل لهذا الملكوت المستغرق أمامى والذى يتجه نحو تقديس الأساطير. ■ لماذا انتقلت فى الرواية من أسلوب المؤرخ فى البداية إلى أسلوب الراوى العليم فى منتصفها؟ - لم يكن ذلك أيضا متعمدا ومن ثم تصعب الإجابة عنه، كما أنه سؤال نقدى من الدرجة الأولى ويجيب عنه النقد، لكن ثمة هاجساً منذ البدء أن تكون البداية بهذا الراوى المؤرخ لأن كل الظواهر التى نحن معنيون برصدها وليدة جذور تاريخية، والانتقال إلى أنواع أخرى من الرواة كانت له مبررات فنية أيضا، فالراوى العليم كان محاطا بهاجس آخر، فالواقع الصعيدى بكل دجله وخرافاته وأعرافه القبلية وأساطيره ومعتقداته أعظم بكثير من أن يحاط به سارد عليم، لذا لم يكن عليما طوال الخط بل كان كثيرا ما يضطر إلى قول «الله أعلم». ■ ما هو البغل فى حياة الصعايدة؟ - هو الأسطورة التى ماتت بفعل الزمن والمتغيرات، لكن للأسف بموتها تنشأ أساطير أخرى وهذا هو الثابت فى حياة الصعايدة.. الأسطورة. ■ هل تسخر من الصعايدة بوصفهم يتبركون بروث البغل فى الرواية؟ - السخرية بالمعنى المتضمن فى السؤال غير واردة عندى، كيف أسخر من مجتمع أعشقه، وأنتمى إليه بشدة، وأخلص له، والحقيقة أن ما تراه سخرية هو نوع من الكوميديا السوداء، التى لا يمكنها أن تتعامى عن مفارقات المجتمع المأساوى فى الوقت الذى يدهشها أن ترى هذا مجسداً فى الواقع الإنسانى، فهو نوع من السخرية غير الجوفاء. ■ هل تمثل الإقليمية حجر عثرة أمام الكاتب؟ - لا.. ليس ذلك بالضرورة فالصعيد بالنسبة لى منجم بكر، ومعين روائى ثرى، وأنا أجد نفسى كروائى هنا وليس هناك، ولكن إن كنت تقصد الشهرة والنجومية والنشر والجوائز فأنت بالتأكيد محق، ولكن أرى أن ذلك استثناء فى مسيرة الإبداع، ولكن حجر العثرة الحقيقى فى النظام الرسمى الذى يتمركز فى نظام يتجاهل بعده كل الأطراف، وكأننا حقيقة نختزل الأوطان فى بضعة مراكز قليلة كما نختزل مبدعى ومثقفى الوطن فى نخبة لم ينتخبها أحد غير النظام.