جيل الحلم والكابوس هو الجيل الذى استيقظ على حلم 23 يوليو 1952 وانهار على كابوس 5 يونيو 1967، ما رأيكم بدلاً من أن نحتفل فى يوليو هذا العام احتفالاً روتينياً نمارس طقوسه المحفوظة منذ 58 عاماً، بدلاً من ضرب الدفوف وعزف المزمار والرقص والغناء تعالوا نحاكم هذا الجيل ونطرح عليه بعض الأسئلة التى حيرت الأجيال اللاحقة ومازالت تحيرهم، وأعتقد أن جيل الحلم والكابوس للأسف يعانى من نفس الحيرة التى خلقها ولاتوجد عنده إجابات مقنعة. الحلم كان ممتداً ورحباً بلا ضفاف، وعالياً بلا سقف شأن كل الأحلام الثورية، والكابوس كان مخيفاً ومرعباً شأن كل الكوابيس الصادمة التى يصحو ضحاياها على بيوتهم، التى كانوا قد ظنوها من فولاذ فإذا هى من قش وكرتون، تنهار فيموتون وهم نيام مخدرون أسفل أنقاض حلمهم القديم. لماذا لم يدرك هذا الجيل أن نذر الهزيمة فى الأفق؟! لماذا عاش المثقفون منهم أسرى تمجيد النظام غناء وعزفاً ورقصاً وتهليلاً وتوزيعاً للأمنيات بتماثيل رخام ع الترعة والأوبرا، الترعة التى لم تغادرها قواقع وديدان البلهارسيا، والأوبرا التى صارت مسرحاً لأناشيد التخدير القومى؟!، لماذا خرج اليسار من المعتقل الذى شهد تذويب الجثث بحمض الكبريتيك وجلد الأحياء بكرابيج الثيران، خرج إلى حضن السلطة متحداً معها ناعماً فى ظلها بكراسى القيادات الصحفية والثقافية، حل حزبه من أجل عيون الثورة متناسياً أنها هى التى أحرقته واغتصبته وأهانت آدمية قياداته وأعضائه فى السجون والمعتقلات حيث كانت العقارب هى أرحم الكائنات بهم؟!. هل هو ذهب المعز الذى سلب عقول المثقفين أم سيفه هو الذى أرهبهم؟ وكيف ظل 90% من قيادات الثورة ينتمون قلباً وعقلاً للإخوان المسلمين بكل فاشيتهم واختلفوا معهم فقط عند توزيع الغنيمة السياسية؟ كان انتقام الثورة من الإخوان تحت مظلة الشرعية الثورية انتقاماً بشعاً بعيداً كل البعد عن يد القانون، بل كان خاضعاً لبطش الديكتاتورية الدموى، فخرج إلينا المارد الإخوانجى فى السبعينيات أقوى بأساً وأشد عوداً يغذى موتوره السياسى بنزين الثأر والانتقام. كيف ظل هذا الجيل مغيباً مخدراً لايعرف وقت الكارثة؟ كيف صدق أن كل المشكلة أن العدو أتى من ناحية الشرق بدلاً من أن يأتى من الغرب؟!! كيف خرج عن بكرة أبيه لا لكى يحاكم المسؤولين عن الهزيمة بل خرج لكى يبقيهم فى كراسيهم، ثم يرقص فى مجلس الأمة حين وافقوا بعد ضغط ومظاهرات على البقاء؟!!. محاكمة هذا الجيل ضرورية وليست من قبيل النبش فى قبور الماضى، لأن قبور الماضى مازالت تحكمنا كما يحكمنا تراث الخوارج منذ معركة صفين حتى الآن، أعرف أن المحاكمة مثلها مثل محاكمة كافكا العبثية السوداوية التى خلدها فى روايته البديعة، لكنها محاكمة ستجعلنا نواجه أنفسنا فى المرآة ونرى قبحنا على حقيقته، ونرصد دمامتنا بتفاصيلها المقززة، ونعرف أن الحلم كان هزيلاً، والكابوس كان ديناصوراً مازال يدهس العقل والقلب حتى هذه اللحظة. [email protected]