عادة ما تبذل جهود المصالحة بين طرفين سياسيين، لكن الجنوب اللبنانى شهد على مدار اليومين الماضيين جهودا سياسية عالية المستوى بمشاركة ضباط محليين ودوليين للوصول إلى تسوية بين قوات «يونيفيل» وأهالى بلدية «تولين» التى وقعت فيها اشتباكات قوية مع الكتيبة الفرنسية على خلفية تحركات قامت بها القوات الدولية دون تنسيق مع قوات الجيش اللبنانى. جاء ذلك فى محاولة لإنهاء التوتر الذى نشب بين قوات حفظ السلام الدولية العاملة فى جنوب لبنان وحزب الله قبل 4 أشهر خلت حين نشطت قوات «اليونيفيل» حراكها فى القرى الجنوبية، مستعيدة مشهد الأشهر الأولى بعد انتهاء حرب يوليو 2006 حين خضعت لقواعد تحرك جديدة، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1701. يومها، كان القرار الدولى ثمرة تسوية سياسية صعبة المنال وافقت عليها الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة وحزب الله بوصفه ممثلا فى الحكومة. عرفت الصفقة باسم «تسوية الممكن» التى فرضتها وقائع الميدان من فشل العملية العسكرية الإسرائيلية فى فرض وقائع جديدة فى جنوب لبنان، فجاءت النتيجة السياسية المباشرة متجسدة فى النص على تراجع قوات حزب الله إلى جنوب نهر الليطانى ودخول الجيش اللبنانى إلى القرى الحدودية وتعزيز عدد قوات اليونيفيل وصلاحياتها. لم يتأخر الزمن بحزب الله حتى أوصل عبر أهالى القرى الحدودية رسائل بليغة إلى القوات الدولية مفادها أن بنود الفصل السابع التى يقع ضمنها القرار الدولى ليست إلا حبرا على ورق، وأن عقلية «الناتو» التى تحملها بعض القوات الدولية، خصوصا الكتيبتان الفرنسية والإسبانية تصلح لبقعة كأفغانستان وليس لجنوب لبنان. فى تلك الأشهر الأولى من عام 2006، اعترض الأهالى على قيام «يونيفيل» بتصوير المنازل ودخول الأحياء بالمجنزرات، فكان أن تراجعت، إلا أن ما يجرى فى جنوب لبنان، منذ أشهر، يترجم تطورات إقليمية ودولية لا يمكن القفز فوقها، بدءا بالتهديدات الإسرائيلية عالية اللهجة للبنان، مرورا بقرار العقوبات المتخذ ضد طهران، وصولا إلى برودة العلاقات الدولية مع سوريا. على الأرض، تحاول اليونيفيل، منذ أشهر، ومع تصاعد الاتهامات الدولية لحزب الله ب«التسلح النوعى»، تنفيذ خطط مسح «طوبوجرافى» لأماكن يعتبرها حزب الله حساسة من الناحية الأمنية، كما تحاول تنفيذ مناورات تحاكى انطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، الأمر الذى رفضه الجيش اللبنانى أيضا. لذا تصدى الأهالى للقوات الدولية بقوة شعبوية من خلال الرشق بالحجارة وتكسير الآليات والاشتباك بالأيدى واحتجاز عناصر منها، الأمر الذى صعد التوتر واستدعى بيانات أوروبية منددة وتهديدا فرنسيا بطرح تعديل قواعد الاشتباك أو القبول المشروط للتمديد للقوات الدولية، قبل أن تقول الحكومة اللبنانية كلمتها بضرورة التنسيق المطلق بين الجيش اللبنانى واليونيفيل. ومن هنا جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى إلى باريس والتى التقى خلالها الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى. وفى ظل تلك الأجواء، توقع القيادى البارز فى «حزب الله» محمود قماطى العودة إلى «تطبيق القرار 1701 بالشكل الذى كانت تسير فيه الأمور فى المرحلة الماضية». وقال ل«المصرى اليوم» إن المواجهة بين الأهالى وقوات اليونيفيل سببها «تجاوز الأخيرة قرار الجيش اللبنانى الذى له الدور الأساسى فى تنسيق تحركات تلك القوات حيث إن الجيش لم يشارك ولم يوافق على مناورات اليونيفيل». وردا على تفسيرات فريق «14 آذار» بنود القرار 1701 ومنهم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذى ذكر بالمادة 12 من القرار التى تتيح حرية الحركة لليونيفيل، قال «قماطى» إن «تفسيرات السنيورة لا تلزم أحدا سواه ونحن اعتدنا على مواقفه التى تلبى رغبة الخارج وتعود بعقارب الساعة إلى الوراء»، وأضاف: «الحمد لله أنه خرج من الحكم وكلامه لا يلزم أحدا سواه». واعتبر «قماطى» أن تلك الأحداث أخذت «حجما أكبر من حقيقتها بسبب تفسيرات البعض لخلفياتها»، نافيا أن تكون «ردا على قرار العقوبات على إيران»، وتساءل: «هل بادرنا نحن بالقيام بمناورة دون موافقة الجيش أم قوات اليونيفيل هى من قامت بالأمر؟». من جهته، عبر الناطق باسم قوات اليونيفيل، نيراج سينج، عن ثقته فى تجاوز ما حصل وبإزالة رواسب سوء الفهم وذكر فى تصريحات ل«المصرى اليوم» بالرسالة التى وجهها قائد اليونيفيل إلى الجنوبيين والتى تعهد فيها بضرورة التنسيق مع الجيش وبوقف عمليات التصوير ودخول الأحياء الضيقة بالمجنزرات. أما الرسالتان الأقوى اللتان تنطوى عليهما الأحداث الحالية فى جنوب لبنان – بحسب المراقب السياسى اللبنانى فهما أن الجنوبيين قادرون على تحويل اليونيفيل إلى رهائن فى 24 ساعة، وأن المجتمع الدولى قادر على تقييد الحكومة اللبنانية بقرارات دولية فى ساعات قليلة.