الكتابة دائماً تركز على المشاهير.. أما الناس العاديون الطيبون أمثال «جورج سمعان» الذى انسحب صامتاً من فريق جريدة «المصرى اليوم» فقلما تجد من يكتب عنهم، لأنك لن تجد من يقرأ عنهم بعد رحيلهم فتخلو الأركان إلا من أحزان أقربائهم وأصدقائهم ومحبيهم! بدأت الحكاية فى دبى عام 1980 حينما كنا نعمل سوياً فى صحيفة «البيان».. جنسيات وعقائد ومذاهب مختلفة.. المسيحى اللبنانى والقبطى المصرى والشيعى العراقى والسنى المصرى والصوفى السودانى.. كان يجمعنا عنوان «الإنسان».. تكاتفنا جميعاً لتعويض «جورج» عن أهله فى الغربة.. زوجناه فى إحدى كنائس دبى بامرأة فاضلة من أصول فلسطينية.. وسارت الحياة بنا وردية مفعمة بصداقات عفوية وعلاقات حميمية رزقنا خلالها بأطفال لا تعرف إلا الحب والبراءة. وكان «جورج» سفيراً للإنسان المصرى الأصيل المكافح المثابر الودود الشهم البسوم القنوع الكريم.. ثم تفرقنا وعاد معظمنا إلى بلاده.. وبقيت العلاقات والاتصالات والذكريات! منذ شهرين حضر إلى القاهرة صديقنا دانيال اللبنانى وهو مارونى وأحد أفراد شلتنا كى يزرع كلية مصرية!.. استضافه «جورج» فى بيته الكبير الذى يشبه قلبه واستضافنا جميعاً معه لنستعيد معاً ذكريات الغربة.. وكرر جورج ما كان يفعله معى ببيته بدبى!.. كان يخصص لى مصلية نظيفة فى بيته لأصلى عليها عند زيارتى! أجرى دانيال الجراحة وطار عائداً لبلده بكلية جديدة وذكريات غالية.. وعدت بوعد منهما بزيارتى للاستمتاع معى ببحر العريش وعهد جديد على التواصل.. وفجأة منذ أسبوع جاءنى الخبر المفجع فى اتصال تليفونى من كريمة جورج تنبئنى برحيله.. لقد توقف القلب الكبير لجورج عن الحركة بعدما سطر معنا طوال السنوات الماضية «الدستور الإنسانى» بمعناه الواسع الراقى الذى لا تفرق أهم بنوده بين ديانة أو جنسية.. وبقيت قلوبنا لا تصدق رحيله ولا تعترف بحواجز بين مسلم ومسيحى وشيعى امتثالاً لقوله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. لله درك يا جورج.. افتقدناك حقاً! زين العابدين الشريف- العريش [email protected]