إن الليبرالية العربية والشباب المصرى يواجهها تحديان: الأول يتمثل فى البيئة السياسية الخارجية، أما الآخر فيتمثل فيما يمكن تسميته بالإطار الأيديولوجى. ويتحدد الواقع السياسى فى العالم العربى فى وقتنا الحاضر من خلال نظم حكم استبدادية فى الأغلب والتى تميل إلى القمعية بعض الشىء، كما يتسم هذا الواقع بالافتقار إلى الانتخابات الحرة النزيهة علاوة على الافتقار إلى سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وقد كبلت هذه البيئة نمو الحركات والمؤسسات السياسية الليبرالية السائدة. أيضا يتعين على الليبراليين العرب تقبل العيش فى بيئة أيديولوجية ينظر فيها إلى أفكارهم ومفاهيمهم على كونها مناهضة لما تعتبره القطاعات الأعرض بالمجتمع الأفكار والمفاهيم السائدة. ويمكن اعتبار تصحيح هذا الإدراك التحدى الاستراتيجى الأساسى الذى يواجه الليبراليين فى هذا الجزء من العالم. ولتحقيق هذا يتعين على الليبراليين ترك النزعة الدفاعية الأيديولوجية. فيجب عليهم البدء بإقناع الناس أن أفكارهم لا تتنافى مع المبادئ والمعتقدات الدينية، بل إنها على العكس من هذا تدعم حرية الدين وحماية هذه الحرية. ويعتبر تعزيز حرية الفرد محور الطموحات الليبرالية بأسرها. حيث يعتقد الليبراليون أن الرغبة فى الحرية رغبة إنسانية عامة لا تتقيد بثقافة أو موقع جغرافى. وعلى هذا يتوافر تقليد ليبرالى فى الفكر السياسى والفلسفى بالعالم العربى، وهكذا من الضرورى إعادة جمع هذه الأفكار وتسليط الضوء عليها – علاوة على توصيلها إلى الآخرين. وفى جميع بلدان العالم يقف الناس للدفاع عن حرياتهم، بالطبع هذا أيضاً نشهده فى هذا الجزء من العالم. ومن ضمن خبراتى الأكثر إثارة ومتعة منذ مجيئى إلى مصر منذ حوالى ثلاث سنوات اكتشاف ما أرغب فى أن أطلق عليه ديناميكية الليبرالية المصرية، فالمصريون الليبراليون أقوى كثيراً من حيث العدد والقدرة الفكرية مما يعتقد الكثير من الناس من داخل وخارج البلاد بل ما يبعث على السعادة أن الليبرالية المصرية تحمل قدرات يمكن أن تجعلها فى المستقبل أقوى كثيراً من المنظمات القائمة التى تزعم تمثيلها لليبرالية الآن. ففى عالم اليوم يعتبر العديد من الناس فى هذا البلد (وفى بلدان أخرى فى العالم العربى) أنفسهم من الليبراليين، وهم يشكلون فئة من الناس لا تدعم بالضرورة النظام الحاكم ولا القوى المسترشدة بالتوجهات الدينية المناهضة له. وللتوجه الليبرالى – الذى يمكن أن يسميه المرء بالحركة الليبرالية أيضاً – حيوية وجاذبية بين جيل الشباب على وجه الخصوص. وتتجسد هذه الحيوية الفكرية للشباب الليبراليين من خلال الترجمة الإنجليزية المنشورة حديثاً لكتاب «أنا ليه ليبرالى: مقالات مصرية شابة عن الليبرالية». يحتوى هذا الكتاب الذى يضم 158 صفحة عدداً من المقالات الفائزة بأقلام شباب وشابات مصريات فى مسابقة كتابة مقالات بعنوان: «أنا ليه ليبرالى؟». هذه الترجمة الإنجليزية من الأصل العربى توفر رؤية ثاقبة رائعة للطريقة التى يُعرِّف بها الشباب المصرى الليبرالية، والطريقة التى تركت الأفكار الليبرالية بها أثراً على حياتهم، بل بشكل عام يعتقد الشباب المصرى أن الليبرالية يمكن أن تغير مستقبل المجتمع والبلد الذى يعيشون فيه بشكل إيجابى. هذه كتابات لنشطاء من الشباب، بل لشباب مثاليين بالفعل، لا يزالون بعيدين كل البعد عن السلطة السياسية. ولكن فى الوقت ذاته توثِق مقالاتهم مدى حيوية الأفكار الليبرالية فى عقول ووجدان الشباب المصرى. ■ دكتور رونالد ميناردوس المدير الإقليمى لمؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالقاهرة. نُشر كتاب «أنا ليه ليبرالى» باللغة الإنجليزية من خلال دار نشر المحروسة وهو متاح لتحميله بالمجان من على شبكة الإنترنت على الرابط التالى: «http://www.scribd.com/doc/33622358/Book-English-Why»