تندات وكراسى محطمة وملابس محروقة وأكوام من الرمال متناثرة فى كل مكان.. هى كل ما تبقى من سوق الجمعة التى احترقت، الأسبوع قبل الماضى، وتحولت من سوق عشوائية إلى بقايا مكان محاط من كل الجهات بأسوار حديدية، وضعها رجال الشرطة والأمن المركزى الذين يرفضون دخول أى شخص، مهما كانت هويته. بين الكلاب والقطط التى تبحث عن شىء لتأكله، يجلس الكثير من الأسر فى انتظار أصحاب الخير لمساعدتهم، بينهم «أم جودة» التى تجلس أمام أنقاض عشتها، وهى تتذكر ذلك اليوم الذى دخلت فيه السوق لأول مرة. تذكرت «أم جودة» أنها عندما تزوجت من ابن خالها وهو عامل فى السوق، عاشت معه فى تلك العشة الصغيرة وأنجبت منه ثلاث بنات وولداً، وتذكرت أيضا اليوم الذى اضطرت فيه إلى اقتراض 10 آلاف جنيه من بنك «السيدة زينب» لشراء بضاعة وجهاز لابنتها الكبرى، التى كانت ستتزوج بعد رمضان من ابن عمتها فى طنطا، ولكن الحريق أكل البضاعة وأكل أيضا جهاز ابنتها و«باظت الجوازة». تتمنى «أم جودة» أن يعود العمل إلى السوق مرة أخرى، ولو لمرة واحدة فى الأسبوع، حتى تستطيع تسديد ديونها للبنك وللتجار: «ما ناب المخلص إلا تقطيع هدومه.. نص بضاعتنا اتحرق واللى فضل اتسرق بعد الحريق، ساعة ما كنا بنساعد الحكومة فى إطفاء الحريق وانتشال الجثث». شعور «أم جودة» بالحصار خلف أسوار قوات الأمن والضباط يجعلها تشعر وكأنها محاصرة فى غزة.. لا تأكل سوى الطعمية البايتة وبقايا الخبز المحروق، ورغم بقائها وسط أطلال السوق فإنها تصر على البقاء: «حتى لو عدى عليا بلدوزر مش هقوم من المكان اللى عشت فيه ومصدر لقمة عيشى.. مش كفاية ان حالنا وقف.. ومش عارفين نروح فين؟!».