يسأل كثيرون عن اسم وزير الإعلام فى الحكومة الجديدة، التى ربما تكون قد شكلت حين يصبح هذا المقال بين يدى القارئ، معتبرين أن هوية الوزير الجديد قد تؤثر تأثيراً ملحوظاً فى مسار صناعة الإعلام التى تعانى مشكلات واختلالات من كل نوع ولون. حل مشاكل الإعلام الضخمة لا يكمن فى اختيار وزير مهما تحلى بالعلم أو الاستقامة أو الكفاءة، لكنه ينطلق من إعادة بناء النظام الإعلامى المصرى، الذى يعمل بعشوائية وتضارب لا يليقان أبداً بمصر ما بعد ثورة يناير. إعادة بناء النظام الإعلامى تبدأ من الدستور، وحسناً فعلت «لجنة الأجهزة الرقابية» فى «الجمعية التأسيسية» حين استمعت إلى خبراء إعلاميين لصياغة مواد دستورية تؤسس لإنشاء هيئات ومجالس تشرف على صناعة الإعلام، وتأخذها إلى المسار الصحيح، وتحافظ على حريتها فى آن واحد. لذلك، يمكن الإبقاء على وزير الإعلام الحالى اللواء أحمد أنيس فى منصبه، إلى حين إعداد الدستور والاستفتاء عليه وإنشاء ثلاثة مجالس أو أطر إعلامية حيوية سيمكن من خلالها بالفعل إصلاح مسار الإعلام المصرى ووضعه فى المكانة اللائقة به. لقد اجتهدت «لجنة الأجهزة الرقابية» فى بحث ودراسة مشروعات عديدة استهدفت صياغة مواد دستورية يمكن أن تكون أساساً لإنشاء الهيئات الإعلامية المقترحة. من بين الاجتهادات المحترمة فى ذلك الصدد ما قدمته «نقابة الصحفيين»، التى صاغت ثمانى مواد دستورية، من بينها مادة تتحدث عن إنشاء مجلس للإعلام، وكذلك فعل المجلس الأعلى للصحافة، الذى تحدث عن «مجلس أو أكثر»، إضافة إلى بعض منظمات المجتمع المدنى مثل «المبادرة المصرية لتطوير الإعلام»، و«الائتلاف الوطنى لحرية الإعلام»، وغيرها. وفيما يلى صياغة لثلاث مواد، تتعلق بإنشاء ثلاثة أطر ضرورية لتنظيم صناعة الإعلام فى مصر، وقد تم عرض تلك الصياغة على أعضاء «لجنة الأجهزة الرقابية» الذين شرفونى بالاستماع إلى وجهة نظرى فى هذا الموضوع. المجلس الأعلى للإعلام المسموع والمرئى «ينظم (المجلس الأعلى للإعلام المسموع والمرئى) شؤون البث المسموع والمرئى وخدماته، وهو مجلس مستقل، له شخصية اعتبارية، وذو تشكيل عريض ومتوازن، ويكون مسؤولاً عن ضمان حرية الإعلام المسموع والمرئى، وتعدديته، وتنوعه، وتطوره، كما يعمل على حماية مصالح الجمهور. ويحدد القانون طريقة تشكيل المجلس، واختصاصاته، وآليات عمله». الهيئة القومية للصحافة والإعلام «تقوم (الهيئة القومية للصحافة والإعلام) بشؤون إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة وتنظيمها وتطويرها. وهى هيئة مستقلة، ذات شخصية اعتبارية وتمثيل عريض ومتوازن، وتكون مسؤولة عن تعظيم الاستثمار الوطنى فى تلك المؤسسات، وضمان التزامها بأنماط أداء مهنية وإدارية واقتصادية رشيدة، بما يجعلها منبراً حراً للحوار المجتمعى، بشكل يعكس مصالح ورؤى الأطراف الوطنية المختلفة بتوازن وموضوعية. ويحدد القانون طريقة تشكيل الهيئة، واختصاصاتها، وآليات عملها». مجلس الصحافة «التنظيم الذاتى» «تدعم الدولة التنظيم الذاتى لقطاع الصحافة المطبوعة، بما يضمن حريتها، ويحمى مصالح الجمهور والمصلحة الوطنية وقيم العمل الصحفى الرشيد فى آن واحد. وتشجع الدولة جهود أطراف صناعة الصحافة، خصوصاً الجماعة الصحفية، ممثلة فى (نقابة الصحفيين)، لإنشاء وتطوير وإدامة (مجلس الصحافة)، الذى يتلقى إخطارات صدور الصحف، وينشئ الأكواد المهنية، ويخضع الأداء الصحفى للمتابعة والتقييم والتطوير، ويتلقى الشكاوى من الجمهور والأطراف المختلفة فى حق أنماط الأداء الصحفية، ويبت بها، ويتخذ إجراءات بحقها». إذا تمت الاستجابة لتلك المقترحات، وتضمن الدستور الجديد تلك المواد أو صياغات أخرى لها تحقق الغرض نفسه، فيمكن القول إننا أصبحنا على الطريق نحو تصحيح مسار الإعلام المصرى. سيبقى أن تصدر القوانين المعبرة عن تلك المواد الدستورية، وأهم ما فيها النص على طريقة «التشكيل العريض المتوازن»، الذى يجعل إدارة تلك المجالس والهيئات فى يد أعضاء يمثلون المجموع العام فى مصر، فيعكسون إرادة السلطات الدستورية، والمجتمع المدنى، وجماعة الصحفيين والإعلاميين. سيتكفل أحد هذه المجالس بصناعة الإعلام المسموع والمرئى، والآخر بوسائل الإعلام المملوكة للدولة، أما الصحافة المطبوعة، فسيتم تطوير إطار التنظيم الذاتى لها اعتماداً على تراكم خبرات كبير يمكن الاستفادة منه فى هذا الصدد. إصلاح الإعلام يبدأ من الدستور، وليس باختيار وزير إعلام جديد، أو تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية عبر مجلس الشورى، أو توجيه الانتقادات والاتهامات للإعلاميين والصحفيين.
