الرئيس والعداء للمثقفين

هل يصلح أن يكون لمصر رئيس جمهورية كاره للثقافة، أو فى حالة عداء مع الأدباء والكتاب والمفكرين والفنانين؟ إن جاز هذا فى أى دولة أخرى فى العالم فهو لا يجوز على الإطلاق فى مصر، فالعداء فى مصر للثقافة هو عداء لتاريخها المجيد الذى لم تصنعه الفتوحات العسكرية ولا هو صنيعة المال أو الاقتصاد، وإنما صنعته الآداب والفنون، فمصر اقتصادياً ليست دولة متقدمة، ومصر سياسياً مازالت تحاول تحقيق الديمقراطية السليمة، لكنها ثقافياً دولة عظمى، فالحضارة التى بهرت بها العالم منذ آلاف السنين تركت لها من الرصيد الثقافى ما صنع لها مجداً حديثاً ترسخت به مكانتها الإقليمية والدولية.
لقد بسطت مصر نفوذها فى المنطقة العربية ليس بالجيوش ولا بالأموال، وإنما بالكتاب وبالفيلم وبالأغنية، وكان جند مصر فى أوج مكانتها العربية الرائدة هم: أحمد شوقى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ويوسف شاهين وصلاح أبوسيف ويوسف وهبى وفاتن حمامة وسعاد حسنى.
تلك هى القوة الناعمة لمصر التى ينبغى أن يدرك قيمتها من يتولى شؤون مصر فيعرف كيف يحتضنها ويرعاها، لأنه بذلك يقوى من أمضى الأسلحة المصرية داخلياً وخارجياً، وهو ما فعله جمال عبدالناصر الذى عرف كيف يستخدم تلك القوى التى عادت على البلاد فى عهده بالانتصارات التى لم تحققها جيوشها العسكرية.
أما أن يجىء رئيس يناصب الأدباء والكتاب والمثقفين العداء بسبب انتمائه لجماعة كارهة للفنون والآداب فتلك كارثة، ليس على المثقفين وإنما على مصر فى وقت هى تعانى فيه من وهن فى أسلحتها الأخرى، سياسية كانت أو اقتصادية.
لقد اتضح هذا العداء المستحكم للثقافة والمثقفين منذ تولى الإخوان المسلمين مقاليد الأمور، فحين شرعوا فى تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، التى حكمت المحكمة ببطلانها، وضعوا فيها أتباعهم من أنصاف المتعلمين واستبعدوا المثقفين منها، ولقد رشح اتحاد كتاب مصر عشرة أسماء من كبار الأدباء والمفكرين المشهود لهم على الساحة العربية، والدولية أيضاً، لكن الجماعة الإخوانية التى سيطرت على تشكيل اللجنة استبعدت جميع هذه الأسماء فى اللجنتين الأولى والثانية، وفى القائمتين الأساسية والاحتياطية.
وللأسف فقد وجدنا رئيس الجمهورية ينصاع تماماً لأهواء جماعته فلا يذكر فئات الكتاب والفنانين والمفكرين فى أول خطاب له، الذى ذكر فيه سائقى «التوك توك»، لكنه استدرك ذلك فى خطابه التالى فتصورنا أنها غلطة غير مقصودة، وبعد مرور شهر على توليه الرئاسة عقد الرئيس اجتماعاً مع اتحاد النقابات المهنية المكون من 24 نقابة من بينها اتحاد الكتاب، وقد دعيت نقابات المحامين والصحفيين والاجتماعيين والتطبيقيين وبقية النقابات فيما عدا النقابة التى تمثل ضمير الأمة وعقلها المفكر، وهى اتحاد كتاب مصر، فكان ذلك إعلاناً بأن عداء الإخوان للمثقفين قد وصل إلى رئاسة الجمهورية.
msalmawy@gmail.com