فى مارس قبل الماضى، صدر قرار مفاجئ بإعفاء الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق، من منصبه، ولم يعرف أحد إلى الآن، سبب الخروج المفاجئ للرجل، رغم الهمسات التى تتردد، هنا مرة، وهناك مرات، عن الأسباب الحقيقية لخروجه! ولكن ما يهمنا، فى هذه اللحظة، أن نقول إن الدكتور أبوزيد كان قد بقى فى الوزارة 13 عاماً، وأنه طوال تلك السنين، كان يعرف، قطعاً، تفاصيل ما نتابعه حالياً، عن الخلاف الذى يحتدم تارة، ويهدأ تارة أخرى، بين مصر والسودان من ناحية، وبين دول منابع النيل السبع، من الناحية الثانية! وحين ذهب الرجل من المنصب، جاء فى مكانه الدكتور نصرالدين علام، الأستاذ فى جامعة القاهرة، وبالتحديد فى كلية الهندسة فيها، وهى الكلية التى كان د. نظيف قد تخرج وعمل فيها أيضاً، وكان مجىء «علام» إلى الوزارة استثناء من قاعدة كانت سارية من قبل، عندما كان وزير الرى الجديد، يأتى دوماً من بين أبناء الوزارة، أو بمعنى أدق، من بين أبناء مدرسة الرى المصرية العظيمة! ومع ذلك، فليست هذه هى مشكلتنا فى وقتنا الحالى، فالمشكلة الحقيقية أن المصريين يشعرون، فى لحظتنا هذه، بأن النيل الذى كان ينساب بلا أى مشاكل، طوال 13 عاماً، قضاها أبوزيد فى وزارته، قد بدأ يتعثر فى انسيابه، كما أن حركة الماء بين شاطئيه، التى كانت من قبل تجرى فى هدوء، قد بدأت فى الشهور الأخيرة، تواجه بعضا من الحشرجة، إذا صح التعبير، وبطبيعة الحال، فإن هذا التغير فى جريان الماء، ليست له علاقة، كما قد يتصور بعضنا، بمدى قدرة الوزير الجديد على أن يدير ملف الأزمة، مع دول المنبع، بقدر ارتباطه بشىء آخر تماماً، لا ندرى كيف فات على أصحاب القرار فى البلد، رغم أنه غاية فى الخطورة! لقد كان قرار تغيير الوزير أبوزيد، من حيث توقيته، أقرب ما يكون إلى تغيير الحصان، فى عز السباق على أرض الملعب، بما يعنى أن المدرب، فى لحظة كهذه، لا يعرف، مطلقاً، متى بالضبط، يتخذ قرار التغيير، ومتى يجب أن يمتنع عنه نهائياً، أو بمعنى آخر يؤجله، لأن التوقيت هنا، والحال كذلك، مهم للغاية، بل هو محور الموضوع كله! وإذا كان رئيس الدولة، هو الذى أصدر القرار، فالعيب فى حقيقة الأمر، ليس فيه، وإنما العيب الحقيقى فى الذين وضعوا أمامه معلومات خاطئة تماماً، وقالوا، بناء عليها، إن أبوزيد يجب أن يرحل، بينما كانت أبسط مبادئ الحكمة السياسية تقتضى أن يتم تأجيل القرار إلى حين، إذا كان لابد من اتخاذه، حتى لا نكون المدرب الذى اتخذ قراراً فى غير توقيته، فخسر السباق، وكان فى إمكانه أن يكسبه! لم يشعر المواطن المصرى، على مدى تاريخه، بالخوف على النيل، بمثل ما يشعر به حالياً، حتى وإن كان خوفاً معنوياً، وليس مادياً، لا لشىء، إلا لأن «شخصاً ما» قد وضع بين يدى الرئيس معلومات مغلوطة، بنسبة 100٪، فصدر قرار صحيح، فى توقيت فادح الخطأ والخطر!!