المكان شديد الجاذبية للاستحمام.. أشجار وزهور ومياه متدفقة وبنات بالبكينى.. ومحجبات استلقين على حافة حمام السباحة.. ولم تمنع المنتقبة نفسها من المتعة مع الجميع.. مصر بكل ألوان الطيف.. هرب الإسكندرانية من البحر إلى الشجر والزهور. أشجار الأكاسيا التى تظلل الشعب المصرى منذ الفراعنة تنعش العين.. هنا عند بحيرة مريوط التى لم تستغل بعد.. ربنا يبعد عنها رجال الأعمال حتى لا تتحول إلى منتجعات للصفوة لا تطالها أحلامنا مهما طال التقسيط.. الأمل فى نقابة الصحفيين وأنا مستعدة أعافر فى الأرض ونعمل أكشاك.. لكن طبعاً نفسنا قصير وغيلان الاستثمار موجودون وجاهزون والبنوك جاهزة للسلف بالمليارات بأوامر عليا.. وهات يا بورتوهات هنا وهناك.. امتلك فى بورتومريوط.. ليلحق بعالم البورتوهات الممتد من شمال مصر إلى جنوبها بلا دراسة جدوى حتى بارت البورتوهات والله أعلم!! ربنا يبعد عن المنطقة عينهم الفارغة التى لن يملأها سوى التراب!! مصر مازالت مليئة بالأماكن.. الرمال السوداء الصحية فى بلطيم، وعيون موسى التى أخذ عينة منها الأستاذ الدكتور شريف حمدى عبدالمقصود وعرضها فى سويسرا وثبت أنها أكثر مياه العالم فائدة للصحة!! أرجو أن يعمى الله عيونهم عن سيوة وآبارها ورمالها الصحية والوادى الجديد وشمسه ذات الأشعة الحاملة للعافية.. وعن بحيرة مريوط وما حولها. هنا أفريقيا ليست سوى أفواج من الأفيال رافعة الزلومة تمشى فى طوابير.. محفورة بالخشب على أدراج الكمودينوهات وعلى هامة الدواليب وبالحجر فى الحمام رابطة بين القيشانى.. أفواج من الأفيال تحاصر نظرك ونظرتك فى كل مكان!! ولخص مهندس الديكور أفريقيا فى هذه الأفيال.. أفريقيا بلد الثوار والثورات، بلد التحرر الذى ضرب المستعمر الأبيض (بالصرمة) فى جنوب أفريقيا، وتحمل مانديلا السجن ما يقرب من ثلاثين عاماً وخضعوا لمطالبه ونظرياته، وتفككت المستعمرات وهى نفس النظرية التى سوف تحدث فى تفكك المستعمرات الإسرائيلية بإذن الله، كما تنبأ الكاتب المحقق الراحل عبدالوهاب المسيرى. أفريقيا لا تلخص فى هذه الأفيال، أفريقيا بلد الثوار نكروما ولومومبا وسيكوتورى وغيرهم وغيرهم، بلد الفن التشكيلى الذى اعترف به العالم واقتنى لوحات السودانى الرائع إبراهيم الصلحى.. أفريقيا بلد أمير الأدب العالمى الطيب صالح.. وفى داخلها وفى قلبها الكثير.. أفريقيا ونحن إطلالتها على البحر الأبيض.. تمنيت أن يكون فى هذا المنتجع خريطة ضخمة ومضيئة لأفريقيا يزينها نهر النيل ومنابعه فى بحيرة تانا وهضبة البحيرات. وأصل إلى تنزانيا وأوغندا ورواند وبوروندى والكونغو.. دول يربطنا بها الحبل السرى.. النيل!! مازالت مصر تخضع للفكر الاستعمارى حول قارة الكنوز المادية والمعنوية. فى رحلة منذ عشرة أعوام إلى كولومبيا رأيت كيف يستغلون الموز.. أنت هناك تأكله طازجاً ومشوياً ومقلياً ومطهياً باللبن. فى الأفلام ظهر الأفريقى راقصاً وملوحاً بالعصيان الطويلة.. وظهر القازان الذى يسلقون فيه البشر، وظهر كل ما هو بدائى وانتهى منذ زمن، ولكن الغرب رغم طرده من جنوب أفريقيا بثورة عارمة.. مازال يؤجج ثورة النظرة الدونية إلى القارة العظيمة. كثير من المستثمرين المصريين اقتحموا القارة ونجحت سفرتهم فى تجارة أو مشروعات، ولكن لم يكن التبادل التجارى كما يجب ولا الاستثمار حول الفكر المتحضر. أعجب كثيراً بمشروع الأخ العقيد (بلاش الرئيس أحسن يزعل) معمر القذافى نحو اتجاهه إلى أفريقيا، وهو فكرياً يخطو خطا عبدالناصر، ولو أنه لم يكن الاتجاه الاقتصادى ولكن يكفى أنه تواصل. كان لابد أن نتجه علمياً إلى إرسال أولادنا فى بعثات إلى الجامعات الإفريقية وفى بعثات تدريبية إلى هناك.. كان يجب أن يكون فكر التواصل موجوداً إلى الدخول إلى قلب قارة نحن على هامشها. أشرف بعضوية مجلس إدارة الأوليمبياد المصرى الخاص، وهو جزء من الأوليمبياد الخاص العالمى، والرئاسة الإقليمية الإدارية للأوليمبياد الخاص العربى والأفريقى هنا فى مصر حيث يرأسه ويديره المهندس أيمن عبدالوهاب، وهو من أولادنا وأكنت أتمنى أن يمتد نشاطه إلى بلاد أفريقية كثيرة حولنا ونتلاقى معها فى الحدود مثل تشاد، وكنت أتمنى أن نقيم دورات رياضية للأوليمبياد الخاص العربى الأفريقى فى دولة فى العمق الأفريقى. لو كنا أخطأنا فى العلاقات السوية بالأسوياء فلا أقل من أن نقوى العلاقة بإخواننا ذوى الاحتياجات الخاصة. إن العلاقات المصرية الأفريقية، والأفريقية الأفريقية، للأسف الشديد ليست إلا علاقة بأفلام طرزان وغابات وأحواش وأفواج أفيال.. الإنسان الأفريقى الشديد الذكاء، الغنى بتراثه وموروثاته ولا يتخلى عنها، غير متواصل معنا والعيب فينا، فنحن أكثر تواصلاً مع الغرب.. وأولادنا يعيشون الحلم الأمريكى بالسفر إلى أمريكا.. الأسرة المصرية تستدين لتلد ابنتها فى لندن أو فى واشنطن أو فلادلفيا حتى يحصل الصغير على الجنسية!! إننا منشغلون بالاغتراب عن مصر بوعى كامل، فالمثقفون والنخبة التى كان الوطن يعشش فى وجدانها. خلعت ثوب الوطن وأصبحت شديدة الانحياز للهرب من الوطن. الحق أقول لكم مصر أصبحت شديدة التخلى عن أبنائها. قبل الطبع: هذا البعد وإعطاء ظهورنا لأفريقيا جزء كبير لعدم فهمنا بعمق معنى حوض النيل، ومعنى تدفق الماء ثم انحسار الماء، بينما إسرائيل تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً لينتمى إليها الماء.. ثم ينتمى البشر.. واشربوا من كيعانكم!! بعد أن تسرب الماء من أمامكم!! وأصبحت العروبة أهم من الأفرقة.. ويا قلب لا تحزن على الاثنتين! [email protected]