بحكم خبرته التى تزيد على عشر سنوات فى العمل «قهوجى»، فإنه صاحب رأى تجاه ما يحدث حوله، ولم تمنعه أميته من أن يقدم رصداً دقيقاً لكل التغيرات التى طرأت على المصريين خلال السنوات الأخيرة، وهى التغيرات التى وصفها بالجذرية لأنها شوهت شخصية المواطن المصرى. من موقعه فى مقهى فى شارع الصحافة، تحدث محمد خيرى عبدالباقى 28 عاماً باستفاضة عن المواطن المصرى، فهو يعرفه جيداً لأنه احتك بكل طبقات المجتمع، ويقضى فى عمله وقتاً أطول مما يقضيه مع أسرته، حيث يعمل 12 ساعة يومياً: «الناس مابقيتش مبسوطة زى زمان، كله بييجى يقعد وهو متضايق وشايل الهم، ده غير ان كل الأسعار غليت، حتى حجر الشيشة اللى الزباين كانوا بينفخوا فيه همهم سعره زاد، واللى كان بيشرب حجرين زمان، دلوقتى بيشرب حجر بالكتير». الهموم التى يراها ويسمعها يومياً من زبائنه، تهون عليه همومه، التى كان يعتقد أنها الأصعب، ل«عم خيرى» هم كبير ينغص عليه يومه سواء كان فى منزله أو عمله، فابنته الوحيدة «ملك» ذات العامين، مريضة منذ ولادتها، فقد ولدت بنقص فى إحدى فقرات ظهرها، وتم تركيب شريحة لها، لكنها تحتاج أيضاً إلى صمام فى القلب يصل ثمنه إلى 1100 جنيه وهو ما يمثل بالنسبة له مشكلة لا يعرف حتى الآن كيفية حلها، فأجره فى اليوم 25 جنيها، يدفع منها شهرياً 180 جنيها إيجاراً لمنزله المتواضع، وما يتبقى يكفى بالكاد مصاريف الأسرة من طعام وشراب. الزبائن المترددون على المقهى الذى يعمل فيها خيرى، يعرفون مشكلته ويتعاطفون معه، لكنهم مثلهم مثله، لا يمتلكون حظاً أسعد يجعلهم قادرين على مساعدته، مما جعله يتوجه إلى العلاج على نفقة الدولة لتركيب الصمام: «الصمام بتاع الدولة ما استحملش وباظ بعد أقل من شهرين، اشتريت صمام تانى من مصر الجديدة وكان كويس وقعد معاها 8 شهور، لكن المشكلة أنها محتاجة واحد كمان، وأنا فلوسى كلها خلصت على علاجها السنتين اللى فاتوا». إيمانه برحمة الله تجعله يدعو دائماً بأن يرحم الله ابنته الصغيرة ويأخذها لجناته، ويعتبر نفسه الأب الوحيد الذى يتمنى الموت لابنته لكنه يبرر ذلك: «تعبت وأنا بشوفها كل يوم بتتعذب ومفيش حل، ومعييش فلوس أعالجها، نفسى ربنا يرحمها وياخدها عنده ويريحها من العمليات، كفاية إنها عندها سنتين وعملت 9 عمليات لحد دلوقتى، ده غير إن عندها شلل فى رجلها». يفكر خيرى كثيراً ويسأل نفسه: هل القرار الذى اتخذه منذ 12 عاماً بالهجرة من أسيوط إلى القاهرة هو الاختيار الأصوب، لكنه يعود ويرد على نفسه بأنه لم يكن أمامه حلول أخرى بسبب البطالة والفقر المدقع فى بلدته الصغيرة، وإن كان الأمر لم يتحسن كثيراً من وجهة نظره عندما انتقل إلى البلدة «الكبيرة».