عندما أحاول أن أقنع نفسى بأن بلادنا لا تزال بخير وأنها أم الدنيا، يحدث ما لا يحمد عقباه وتتحول زاوية الرؤية والسمع إلى درجتها الحادة فينتصر الرأى الآخر ويخرج أصحابه لنا ألسنتهم وهم يصيحون: ألم نقل لكم إن البلد لم يعد بلدكم؟ لندخل فى الموضوع، فى ذات ليلة وعلى وجه التحديد ليلة السبت، 19 يونيو 2010، وعندما اقتربت عقارب الساعة من منتصف الليل إذا بأصوات فرقعات أو انفجارات هائلة تحيط المنطقة المحيطة بمول سيتى ستارز بمدينة نصر أول خرج على أثرها السكان من كل فج عميق وتعالت أصوات الأطفال وهم محمولون على أكتاف وصدور أمهاتهم وآبائهم محاولين الهرب بعد أن اعتقدوا من أول وهلة أن شيئاً جللاً قد حدث، ربما يكون مخزن المواد البترولية المجاور قد احترق أو كشك الغاز أو الكهرباء، لكن ويا لهول المفاجأة، فقد نقل بعض السكان إلى بعضهم الآخر أن الانفجارات كانت ناتجة عن إطلاق ألعاب وصواريخ نارية من النوع الذى تستخدمه الدولة فى المناسبات الرسمية، وأن المناسبة هى حلول يوم 18 يونيو المعروف بعيد الجلاء، لكن لماذا يتم الاحتفال بعيد الجلاء هذا العام؟! وما الذى ذكرهم بهذه المناسبة التى كدنا أن ننساها؟! حوارات على أبسطة السلالم وقد هدأت الأسارير واختفى بكاء الأطفال واطمأنت القلوب وحمدت ربها أن الأمر قد اقتصر على «شوية» تلوث سمعى وإزعاج لعباد الله فى منتصف الليل! هدأت النفوس وعاد الناس إلى مخادعهم، فالغد إجازة أسبوعية وقد يستيقظ بعضهم مبكرين للذهاب فى نزهة أو زيارة للأهل فى القرية، لكن لم تمض إلا فترة وجيزة حتى انطلقت انفجارات من نوع آخر، فالألعاب النارية لم تكن إلا إعلاناً عن وصول العروسين إلى حفل زفافهما الذى أقيم فى منطقة مكشوفة أعلى مول سيتى ستارز وملحقة بفندق إنتركونتيننتال وتقع أمام المساحة المسورة المملوكة للدولة التى انطلقت منها الصواريخ والألعاب النارية. بدأ الحفل الذى انطلقت منه جميع أنواع الأجهزة الصوتية المكبرة ناقلة أصوات الفرقة الموسيقية والغنائية ليستمع إليها أهل المنطقة المحيطة وهم داخل غرف نومهم دون استئذان فى دائرة قد تصل مساحتها إلى أكثر من ألف متر! هرب النوم، وأيقن السكان أن عليهم الاستماع ومشاركة أصحاب الفرح فرحهم ولو من على بعد، فالمصريون أهل، وهم يفرحون لفرح بعضهم الآخر مثلما يحزنون، وإنها مجرد ساعة زمن وتذهب إلى حال سبيلها، لكن ويا لهول المفاجأة، فقد استمرت ساعة الزمن هذه إلى ست ساعات كاملة، فلم ينفض الفرح إلا فى الساعة السادسة صباحاً! جرت عدة محاولات مع إدارة الفندق ولم تسفر عن أى نتيجة إيجابية، فكان لابد من إبلاغ شرطة النجدة وقسم أول مدينة نصر المجاور لمكان الحدث وحضر أمين شرطة لتحرير محضر، لكن شيئاً لم يحدث، فقد استمرت الأصوات المزعجة بل ربما تضاعف إزعاجها مع خلو المنطقة من السيارات! تلقى جهاز شرطة النجدة بلاغات جديدة، لكن بقى الحال على ما هو عليه، فقد أصرت إدارة الفندق ومعها إدارة المول على موقفهما، فالأهم أن يستمر الحفل وليذهب سكان الشوارع المجاورة إلى الجحيم! تداول السكان الحوار عن ماهية أصحاب الفرح وأسماء العريس والعروسة والعائلات التى ينتمون إليها والتى مكنتهم من استخدام أرض مسورة ومملوكة للدولة لإطلاق الألعاب النارية، فلابد أنها ذات حيثية من النوع الثقيل! كانت تلك ليلة من ليالى المحروسة التى أكدت أن البلد ليس بلدنا، وأننا لا نملك من أمره شيئاً حتى الحصول على ليلة هادئة فى يوم إجازة تحول إلى حلم بعيد المنال، ولعل الشباب الذين شاركوا فى الإجابة عن سؤال يقول: ماذا تريد أن تصبح لو لم تكن مصرياً؟، فقد كانت الإجابة معبرة عن هذه الليلة البائسة، أجاب معظمهم باختيارهم جنسيات دول أخرى ونسوا مقولة الزعيم المصرى الخالدة إنه لو لم يكن مصرياً لود أن يكون مصرياً! والآن ماذا ستفعل السلطات المختصة من داخلية وسياحة بشأن هذه الخروقات للقوانين التى تحفظ للمواطنين حقهم فى حياة هادئة وراحة وأمن داخل بيوتهم، وماذا عن القوانين التى مللنا من سماع رجال الحكم وهم يرددونها كالببغاوات عن التلوث السمعى والحفاظ على البيئة، فهل من محقق فيما وقع ليلة السبت الموافق التاسع عشر من شهر يونيو عام ألفين وعشرة من القرن الواحد والعشرين؟!