ان الخطر الكبير المحدق اليوم بالعالم ، هو خطر انتكاسة الاعلام و تهاويه. فهو مصدر الخبر و نقل المعلومة في ظرف زمني قياسي، خاصة في ظل تحول العالم الى قرية صغيرة، و وفرة المعلومة و تواترها و تبادلها بين جميع اقطار العالم بفضل تعدد وسائل الاتصال و الاعلام. ان المؤسف اليوم، هو ان يصاب الاعلام بمرض عضال و هو التطفل على المهنة، الانحياز و السيطرة على هذا القطاع من قبل اللوبيات و اصحاب المصالح و اصحاب النفوذ . فهل يشفى هذا القطاع من داء بات ينخر جسده؟ هل ينجو من الاخطار المحدقة به خاصة في ظل بروز الاعلام الموازي و "اعلام الحرب"، هل يصحح مساره؟، و كيف يمكن ان يصبح وسيلة موثوقا بها يدرأ الاخطار عن الجمهور عموما و عن الحكومات خصوصا؟ ام هل يصاب بداء العجز و الشعور بالعجز؟ ان تصحيح مسار الاعلام و تصويبه لابد ان ينطلق اولا من الصحفيين انفسهم ذوي الشهائد و الاختصاص ، فلا بد من مراجعة ذاتية و نقدية لأعمال عدد كبير من الصحفيين ، على ان تكون هذه المراجعة عن ترو و قناعة، فهم اهل دراية و اختصاص و حرفية و مهنية، و انطلاقا من ذلك فعليهم ان يكونوا اصحاب ضمائر و اصحاب حس نابض، لايخشون في قول الحق لومة لائم، يعتزون بمهنتهم المقدسة "مهنة المتاعب" فلا يخافون ان يضعوا انفسهم في صلب القضية و داخل المعمعة، يرفضون ان تتهاوى اعمالهم او ان تصاب بريح العدم، يدونون الحق و لا شيء غير الحق ، يكونون اعلاميين احرارا، يعتمدون الشفافية و النزاهة في اقوالهم و كتاباتهم دون طمع او خوف، لا يجرون وراء مغنم و لا تتقاذفهم اهواء، اصحاب مبادئ و قيم، لا يؤمنون بخداع الذات و لا يهون عليهم الصدق، يحترمون عقول القراء و الجماهير، يدحضون الباطل و يكشفون الحقيقة من زواياها المختلفة ... تلك هي رسالتهم لانهم اصحاب رسالة مقدسة يمنعون كل من يزايد عليها او ينتقص قيمتها. ان الاعلام الموازي او "شبه الاعلام" فهو نسبة لهؤلاء "اشباه الاعلاميين " الذين امتهنوا مهنة غير مهنتهم، فهم لا يعلمون من خفاياها شيئا و لا يفقهون من خصوصياتها و لو نزرا قليلا، هؤلاء قد استهواهم المكسب و الشهرة،فاعتبروها "مهنة موسمية" لأنها ارتبطت بالحروب او الثورات ، فخدعوا انفسهم و خدعوا الاخرين فكيفوا المادة الاعلامية حسب اجندات مجنديهم من لوبيات و رأسماليين و انتهازيين، فبرعوا في اخفاء الحقائق و حجب المشاكل و صاروا بوقا كاذبا ينشر الاكاذيب و الاباطيل و يقوم بالدعاية الساذجة لصالح اولئك "اعداء الحق و الانسان" . انّ الدول التي تريد ان تؤسس للديمقراطية و للحرية وللعدالة الانسانية لابد ان تنتبه للأخطار المحدقة بها، فعليها ان تعي خطورة الوضع الراهن للأعلام، فتضع النقاط على الحروف، كأن تضع حد التهميش هذا القطاع و تبدأ بإصلاحات اكيدة ،جوهرية وملحة في صلبه، من شانها ان تضع فاصلا بين الصحفي و "شبه الصحفي" ، بين الصحفي الغيور على المهنة، الذي يكون همه الوحيد هو تقديم مادة اعلامية متكاملة، دقيقة، صحيحة و مثمرة، فلا شيء يسعده سوى تقديممقالات محصنة المبنى و المعنى و الدعائم ، مقالات شعارها البناء و كلماتها الصدق و نصوص عمارها الحق، واخر يتفصى من الخطر و لا تكاد كتاباته تحدثنا بموضوعها ، من كثرة طرح مواضيع تخلو من كل عقلانية و مصداقية، لا هم له الا تشويه المشهد الاعلامي و تكييفه حسب منافع اللوبيات و اصحاب المصالح، هذا الذي يحدث الفجوة بين الجمهور و الحقيقة، كما يحدث القطيعة بين الجمهور و الدولة، و يعمد الى القطع بين الراي و الراي المخالف، و يانس في نفسه الانتصار على الحق بوأد كلمة الحق على ان تستبدل بكلمة الباطل. ان هذا النوع من الاعلام لا شك انه لا ينفع المواطن او الوطن و لا يتقدم بالشأن العام بل يهيئ للتصادم بين الجماهير و السلطة التي سرعان ما تصير محل انتقادات و مؤاخذات لاحقا من الداخل و من الخارج، فتصبح العلاقات متوترة ويسود جو من الاحتقان داخليا و خارجيا. ان الخروج من هذا الوضع المتردي للأعلام الذي ينعكس سلبا على الدولة، يضع هذه الاخيرة امام مسؤوليتها التاريخية لدرء المخاطر و عليه فهي مطالبة بمحاسبة المخالفين الذين لا يتقيدون بأبجديات و ضوابط و اخلاقيات العمل الصحفي و تثمين اعمال الصحفيين ذوي الياس و رواد الافاق النائية، و وضع حد لأنشطة الدخلاء و المتطفلين على المهنة. ان التاريخ لن يرحم الاعلام المنحاز او المتواطئ بل على العكس فهو يفخر بكل اعلام نزيه، حر، شفاف، مثمر و يكبر كل اعلام لا ينحاز، لا يركع و لا ينحني. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية