"البنت ما نامتش لغاية الفجر ورجعت م الخوف" كذا قالت لي زوجتي عن مريم ذات السبع سنوات التي اضطررتُ للاستقرار في قرية جريس مركز أشمون محافظة المنوفية لأسباب من أهمها الترابط العائلي والأمن وسهولة تحفيظ القرآن. لماذا ارتعبت مريم حتى هذا الحد؟!! تم خطف طفل من أطفال القرية وطلب فدية مقدارها خمسون ألف جنيه. قد يرى البعض أن هذا الأمر عادي، أو متوقع، وقد يراه البعض الآخر صعبًا في قرية ما زال فلاحوها يوزعون اللبن على جيرانهم، ويهدي صانعو فخارها القلل لجيرانهم.. وبالأمس فقط جرى صبي خلفي ليعطيني مبلغًا من المال وقع من سيالة الجلابية وأنا أخرج يدي منها... لكن قصة الخطف مفزعة. مدرس رياضيات - لا يترك ركعة وزبيبة الصلاة في جبهته سوداء- يتعامل بالربا وقد أخذ شيكات عل شخصٍ استدان منه.. عجز الشخص عن السداد.. تضاعف المبلغ.. لم يجد أمامه سوى خطف ابن المدرس... دفع المدرس الفدية وأعطاه الشيكات. لم يلجأ المرابي للشرطة، ربما لأن ابنه في خطر، وربما لأنه يعرف انه يؤدي عملا غير قانوني.. *********** في الأسبوع الماضي كان في زيارتي نائب مجلس آباء، يطلب من المشورة لأن إدارة مدرسة تصر على نقل مدرس لتحرشه لفظيا بالطالبات اللاتي كتبن شكوى، وطالب آباؤهن بنقل المدرس.. هو المدرس المرابي نفسه. في الثامنة كنت أزور صديقًا ممن يسعون في أي خير له علاقة بالقرية، وكان معي صديق صيدلاني شاب وأبوه الذي كان مدرسي في الابتدائية وما زلت عبده وسأظل.. حين حاء ذكر واقعة الخطف ذكرت أسماء خمسة أشخاص يعملون في الربا يسبق اثنان منهم لقب الحاج. ما الذي تغير؟ لماذا حدث هذا؟ كيف يمكن أن نعيد الأمر إلى نصابه؟ *********** حين كنت أكتب روايتي تلك القرى، وفي أثناء بحثي في الآيات التي تتحدث عن القرية والقرى في القرآن؛ شدهني ما وجدت؛ فالقرآن يتحدث عن أن الإهلاك عقاب يقول تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُون}[الأنعام:123] {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون}[النحل:112] إنني الآن – أنا وأنتم- بحاجة إلى تأمل آية الإسراء: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:16] ألا تلحظون شيئًا؟ : { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} إن المترف الغني السيد قائد الرأي فسق أي خرج عن الفطرة السليمة، وهنا يحق علي القرية بأهلها العقاب والتدمير، لكن ألا يتعارض هذا مع العدل الإلهي الذي يقضي بألا تزر وازرة وزر أخرى؟ ثمة أمر محذوف هنا.. ثمة إيجاز بالحذف وهو أمر بلاغي يتبع علم المعاني أحد فروع البلاغة العربية الثلاث (معاني وبديع وبيان) فكأن النص هنا يجعلك تسأل: وأين أهل القرية؟ ببساطة؛ لقد سكتوا عن الفسق أو شاركوا فيه... فاستحقوا العقاب. الله – عز وجل – لن يرفع بلاء نحن أسبابه هذا من سننه في الأرض... فهل أصلحنا ما نفسد؟ هل يكف رجال الدين عن فتاوى البول والدم والكراهية؟ هل يكف الرؤساء عن الاستهانة بالشعب؟ هل يكف الوزراء عن طحن الشعب والعبث بمقدراته؟ هل يكف رجال الأعمال عن انتهاك آدمية العمال والمستهلكين؟ هل.. هل.. أحمد سراج أحمد سراج