(2) بداية التدخل الحكومي ودون تدخل من الحكومة استمر تحالف الواحية والزرابة (الزبالون) في جمع القمامة وتدويرها. وكان الاتفاق على جمع القمامة يتم مباشرة بين الواحية وأصحاب الوحدات السكنية، حيث يقوم الواحى بدفع مبلغ إلى مالك العقار كتأمين يسمح له بالدخول إلى العقار وجمع القمامة من الشقق نظير رسم شهري يجمعه من قاطني الشقق مباشرة. وكانت قيمة التأمين الذي يدفعه وقيمة الرسم الشهري الذي يقوم بتحصيله تختلف من منطقة إلى أخرى طبقا للمستوى الاقتصادي لكل منطقة حيث تصل إلى أعلى معدلاتها في منطقة الزمالك. ويقول أحد الزبالين القدامى عن أهمية المناطق السكنية الفاخرة بالنسبة للواحى "زمان كان الواحى يمشط المناطق اللارج (مناطق الإسكان الفاخرة) للبحث عن العمارات التي يتم إنشائها، ويفضل مراقب المكان لغاية ما يظهر صاحب العمارة، يتعرف عليه ويتفاوض معه على استلام العمارة جمع قمامة بعد الانتهاء من إنشائها، ويدفع قيمة التأمين مقدما قبل أن ينتهي إنشاء العمارة بشهو، ويروح بيته فرحان بالاتفاق ، وياخد معه علب الحلويات لتوزيعها على الجيران والأهل احتفالا بالصفقة التي أنجزها" وبعد فترة من الزمن، في بداية فترة الثمانينيات من القرن الماضي، أنشئت الهيئة العامة للنظافة والتجميل، وبدأت في التدخل في هذه العلاقة. وكان من المفترض أن يتم هذا التدخل لخدمة أبناء المهنة ودعم جهودهم في تطوير الخدمة، إلا أن الهيئة لم تهتم بأي شئ سوى الاستفادة من ورائهم بدعوى تطوير مستوى الخدمة، فأجبرتهم على ضرورة الحصول على ترخيص بالعمل من الهيئة العامة للنظافة والتجميل مقابل رسم سنوي، بالإضافة إلى رسم شهري يتم تحديده طبقا لعدد الوحدات التي يصدر الترخيص لخدمتها. وكان من المفترض أن تساهم تلك المبالغ التي تجمعها الهيئة في تطوير مستوى معيشة أبناء المهنة أو حتى في تطوير خدمة جمع القمامة في الأماكن التي لم يصل إليها الزبالون، أو حتى في نظافة الشوارع التي لم يتخصص فيها التحالف. ولكن ما حدث أنه تم سلب هؤلاء الأفراد لخدمة مصالح البيروقراطية الحكومية دون أدنى فائدة تعود على الزبالين أو الأهالي، وكذلك ألزمت الهيئة الزبالون بضرورة استخدام سيارات نصف نقل بدلا من العربات الكارو. وبالفعل نفذوا التزامهم لدرجة أن استثماراتهم في تلك السيارات وماكينات إعادة التدوير والمخازن بمنطقة المقطم فقط تجاوزت الثلاثة ملايين دولار خلال فترة الثمانينيات فقط. وعلى الرغم من قلة شكاوى الجمهور من الزبالين التقليديين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يقومون بعملهم في هدوء ونظام وفى احترام لكافة قوانين الدولة، إلا أن الحكومة حينما فكرت في التدخل في مشكلة القمامة بالقاهرة فقد استبعدتهم تماما من حساباتها -كما لو كانوا غير موجودين أصلا- وبررت لجوئها للتعاقد مع شركات دولية للاضطلاع بمهمة جمع القمامة بعدم كفاءة الخدمة المقدمة سابقا. فقامت بالتعاقد مع الشركات الدولية ،الإيطالية "أما" والشركتان الإسبانيتان "إنسر" و"إف سى سى" لفترة 15 عاما دخلت حيز التنفيذ منذ عامى 2004 ، ولكن ماذا فعل تحالف الواحية والزرابة كي يحافظ على حقوق أعضائه في ممارسة مهنتهم التي كانوا قد ابتكروها منذ أكثر من مائة عام؟ وللحديث بقية عن تحالف الواحية والزرابة ضد الحكومة وبزنس البيئة... المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية 2