لم تعد "عسكر وحرامية"... هى تلك اللعبة التى كنا نستمتع بممارستها فى الطفولة مع الأصحاب والجيران للترويح عن النفس فى ساحات المنازل وعلى الأسطح ، ولكنها صارت "واقعاً مجتمعياً " يُحاك على رقعة الشطرنج المصرية دون القدرة على إنهاء " الجيم" بفوز احدهما ،، فطال أمد المناورة والإنهاك دون الوصول لعناق الفائز والخاسر بروح رياضية . ومنذ اندلاع ثورة 30 يونيو وحتى يومنا هذا لا تزال لعبة "عسكر وحرامية " هى التى تحكم الشارع المصرى، فى ظل تعنت جماعة " الإخوان المسلمين " بكل روافدها من التنظيمات المتعاطفة وعدم الرضوخ لواقع الفشل فى " أسلمة " السياسة المصرية ، فقد أرادوها سجينة ومكبلة بمثل هذه التبعية الطائفية التى وَشت بخيانة مفهومى "القومية والمواطنة" المتأصلين بجذور السياسة المصرية منذ العهد الناصرى. وبعد وصول الرئيس السيسى لسدة الحكم لم يتقبل " الإسلام السياسى " هذه الحقيقة وأخذ يبث سمومه الفكرية بين ابناء الشعب متلاعباً بأحلام عذرية طالما جالت فى خيال المصريين حول الديمقراطية وحرية التعبير والإرتقاء بكافة الحقوق المادية والمعنوية ، ولكن مع جَم أسفى وأعتذارى لكل من راودتهم " الأحلام الوردية "، كيف لنا أن نقفز تلك القفزة الشاهقة ونحن لم نتخذ مواقعنا الصحيحة ؟ كيف نطالب برفاهيات الشعوب المتقدمة وقد انزلقنا فى هوة عميقة أرادها لنا أعدائنا سواء المعلنين أو غير المعلنين ؟ فلابد اولا ً إنعاش القلب المصرى بالصدمات الكهربائية ، فالشعب يعانى شقاقاً مخيفاً والرؤى تتبعثر كالذرات الدقيقة المتطايرة بفضل الوشايات والذرائع . فما من أحد يريد الإلتفات الى "مصر" باعتبارها هى نقطة الإنطلاق الحقيقية ، وإذا كان الواقع المصرى الحالى يعانى اختناق الحريات وكبت انسيابية التعبير ، فيجب ان نتسأل من المسئول عن سيادة هذا المشهد الذى لا يليق بمصر ؟.... لم أرد الوصول لإجابة بقدر ما اردت الوصول لفكرة مفادها " ألا تحاسب القاضى على حكمه القاسى ولكن حاسب المتهم الذى دفعه إلى " متلازمة " العدل والقسوة " حتى يستقيم العقاب مع حجم الذنب . وها هو الشارع المصرى لم يعد بإمكانه أن يتنفس الصعداء ، ولا يستطيع أن يَأمن فتنة توجساته التى تراوده بتربص تلك القنابل الخائنة المزروعة بجنبات الطرق وتنذر بموت الأبرياء الذين لا يقترفون ذنباً سوى المرور القهرى بذلك الطريق المفخخ ، ذلك الثمن الباهظ الذى اراد " الإسلام السياسى " ان يسدده المصريون ولم تفرغ حتى الأن لعبة " عسكر وحرامية " من الميادين المصرية وكأنه قَسَم مريب بألا تنقضى اللعبة إلا بإلحاق أكبر قدر من الخسائر بمن لا ذنب لهم سوى رفض هذا الحكم الإخوانى " الهزيل والمتورط " ، ولتكن الخسائر على أعلى مستوى ، لا يَهُم ، ولكن الأهم أن تخنع مصر وتدخل ذلك النفق المظلم وأن نُقِر نحن الشعب بالذنب ونندم على ما فعلنا ونتكبد تبعات اختيارنا ، ليشرق علينا كل صباح مُنذراً بخبيئة لا يعلمها الا الله ولا يقينا عذابها أى كلمات تأبين أو اعتذار . وأتسأل فى تخيل حالم قد يكون ساذج ...من أين لنا بالطرف الثالث الذى يفض الشجار اذا ما تأججت اللعبة ليعُلن انقضاء " الجيم " بمواثيق شرف يقبلها الطرفين ؟ اين هذا المُحِكم الإفتراضى أو بالأحرى الخرافى ؟ وتداهمنى الإجابة الأكثر واقعية وتعلن أن الساحة لم تعد تكتظ مع الأسف إلا بالمنتفعين والكارهين سواء من الداخل أو الخارج الذين لا يمارسون سوى مزيداً من الأبتزاز لجنى أعلى المكاسب وينفخون فى حِمم بركان اختلاف وجهات النظر . ولكن عذراً ... لقد سئمنا تلك اللعبة ونتمنى حذفها من ذاكرة تراثنا ، فقد نفذت استغاثاتنا من الغدر العشوائى والكراهية العمياء ، واكتفت قبورنا بمن لا ذنب لهم واقتضب جَبيننا من لطمات غافلة وعَصية لا تصنع سوى المزيد من الألم والفُرقة وغابت عنا اشياء كثير جميلة لا نعلم أيمكننا استرداها أم قد رحلت دون رجعة ! المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية