لا السلفيين يشكلون خطرا على الثورة ولا الإخوان ، فكلا الفريقين ، حتى و إن شط أو اغتر أو رفع صوته في غير ضرورة ، يظل رقما مهما في معادلة يجب على كل ديمقراطي أن يحرص على اكتمالها ، كي تصبح مصر – بحق – وطنا لجميع أبنائها . صحيح أن كلا الفريقين لديه من العيوب ما يخيف ، ومن ذلك مواقفهم من قضايا الهوية والثقافة والمرأة وطريقتهم في مخاطبة الخصوم ورؤيتهم المغلقة للعالم ، لكن الأصح من ذلك هو أنهم أصحاب حق أصيل في المشاركة ، خصوصا و انهم ملتزمون – حتى اللحظة - بذات القوانين التي تُطبق على العموم ، و الواجب على من يؤمنون بالديمقراطية أن يرحبوا بتلك المشاركة ، لأنها- باليقين - أفضل من إقصائهم أو تهميشهم والتعامل معهم باستعلاء ، دفعت مصر ثمنه , دماء و دمارا. أما الحديث عن خطر انقلاب الإسلاميين على التعددية، فهو في ذاته خطاب غير ديمقراطي يعكس نوعا من الوصاية المسبقة على الشعب ، وكأننا لم نغادر زمن الحجر والقمع ونثر التراب في الهواء لتضليل الناس عن مواطن وجعهم الحقيقي. يحدثونك عن السلفيين ، كأنهم قادمون لمصر من عالم آخر ، فإذا قلت :" واجهوهم بالديمقراطية و راهنوا على وعي الشعب "، جاءك الرد مصحوبا بانفعال مراهق :" هؤلاء هم أعداء الديمقراطية و سيهدمون بنيانها في أقرب فرصة "، على الرغم من علم المجادلين بأن الذي أطاح بالتجارب الديمقراطية في دول عربية قريبة ينتمون لما يسمى " القوى المدنية "، ونماذج الجزائر وتونس وقبلهما سوريا والعراق ، تشهد ..و تدل . و يحدثونك عن الإخوان ، فيضخمون من تاريخهم المسلح وكيف اغتالوا النقراشي ، و تآمروا على عبدالناصر ، فإذا قلت لهم إن الجماعة تخلت عن ذلك الطريق ، وارتضت منذ منتصف السبعينيات العمل السلمي ، حتى بات لديها خبرة في فنون المساومة والتحمل وعقد الصفقات والتحالفات ، حاصروك بحديث عن الجذوع و الفروع والتقية ، فضلا عن قصص فردية تؤكد النزعة الاحتكارية الدفينة لدى كل إخواني على أرض المحروسة . و المدهش أن هؤلاء يبدون في المقابل استعدادا للتصالح مع من خرجوا من باحة الجنرال المطاح ، مطالبين بتشكيل تحالف "مدني" مضاد للإسلاميين ، رغم أن مثل هذه الخطوة تمثل ضربة قاصمة للأمل الديمقراطي المصري الذي بزغ في التحرير ، وتعبر عنه حالة الجدل الصاخب الذي تشهده الفضائيات و الميادين منذ انهيار دولة الطغيان الأمني . يفعلون ذلك ، رغم علمهم أن " أيتام مبارك" لا تشغلهم إلامصالحهم ، وأنهم يبحثون فقط عن سيد جديد يتملقونه ليمنحهم ترياقا فقدوه يوم طاح فرعونهم بفساده وعناده وعبيده . دقق النظر، وسترى أن بعضا ممن يهاجمون الإسلاميين بدعوى الدفاع عن مدنية الدولة ، قد تصالحوا مع بقايا النظام السابق ، وسمحوا لكثير منهم بالظهور في الفضائيات لينشروا بين المصريين فوبيا الخوف من الفتنة الطائفية والانهيار الاقتصادي والبلطجة ، ثم ارجع البصر مرة ثانية ، و ستلاحظ أنهم نفس من كانوا يطالبون الثوار بمغادرة الميدان قبل سقوط راس النظام ، وحجتهم في الحالتين واحدة : القلق على هيبة الدولة !. ارهف السمع، وستجد أن ذات الألسنة التي مجدت مبارك بالكلمات و القصائد و الأغاني على امتداد عقود ، عادت لتمجد السلطة، ف " هذا المحافظ ظاهرة "، وذاك " الوزير المثال " ، وكأنهم يعيدون استنبات مفردات النفاق التزلف و الاستجداء المهين ، ضاربين بالمعنى الأعمق للثورة المصرية عرض الحائط . ركز- سيدي - في رجع الصوت القادم من خزين الفضائيات قبل الثورة ، ثم قارنه بما تسمع الآن ، وسوف تكتشف أن فيروس العبودية ، قد استفاد بقدرته الفطرية على التحور ، فعاد يجلجل من جديد , مقدرا وشاكرا ومستغيثا وراجيا ومعبرا عن الولاء المسبق لصاحب السلطة .. أي سلطة ! هؤلاء جميعا أبناء سلالة شبت على الطوق في باحة الجنرال ، فسكنها الاعتياد على أن " الحياة بدون سيد موت " ، وأن " الكلام بغير تزلف صمت"، و" أن رفع الرأس مقامرة بالعمر كله ".. ولذلك بالضبط ، لن يتورعوا عن التحالف مع الإسلاميين إذا فازوا بالسلطة ، فإذا قيل يومها : كيف عادوا ؟. قل : من بابكم الواسع أيها الخائفون من الديمقراطية !.