كشفت صحيفة هآرتس عن الأحداث التي أدت الى احتضان تركيا لحركة حماس الفلسطينية ، وعن كون القيادي بالحركة صالح العاروري المقيم بتركيا هو مخطط الانقلاب على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بدعم من انقرة. سبقت عملية "الرصاص المصبوب" ديسمبر 2008، هي التي مهدت لطريق لتبني رئيس وزراء تركيا "رجب طيب اردوغان" لحماس، موضحة ان اردوغان كان راغبا لأن يكون وسيطا في المسألة الفلسطينية ولكن مصر وإسرائيل لم تسمحا له بذلك وأضافت الصحيفة أنه عندما طلب من وزير الخارجية الاسرائيلي "افيغدور ليبرمان" الرد على رئيس وزراء تركيا "رجب طيب اردوغان" بسبب الشتائم التي وجهها اردوغان لاسرائيل خلال "الجرف الصامد"، رفض، وقال "اذا استمر اردوغان بالهجوم فسنرد"، مشيرا اشارة خفية الى أن اسرائيل لا تريد أن يكون رد فعلها مؤثرا فينجح اردوغان في انتخابات الرئاسة التركية، ويذكر ان انتخابات الرئاسة التركية اجريت في 10اغسطس الجاري. وقال "تسيفي برئيل" الكاتب بالصحيفة، أن اسرائيل ردت بكشف الشاباك عن مخطط "القيادي بحماس والمقيم بتركيا "صالح العاروري"، حيث اشار الشاباك الى ان العاروري هو رئيس الشبكة في الضفة، ويديرها من تركيا، وهو الذي يخطط ويستعمل العناصر في الداخل، ويمول بالمال، نشاطها، وهو مؤسس كتائب عز الدين القسام في الضفة، والذي طُرد الى سوريا في 2010، فانتقل منها الى تركيا بعد قطع العلاقات بين حماس وسوريا. وقال برئيل ان العاروري يتمتع بضيافة مرفهة في تركيا، حيث يُجري اجتماعاته ولقاءاته مع رجال حماس، وتقول مصادر في تركيا إنه رجل الاتصال بين رئيس المكتب السياسي لحماس "خالد مشعل" وبين حكومة اردوغان، وهو ايضا الذي ينظم لقاءات المتبرعين للمنظمة من الدول العربية الذين يأتون الى تركيا للتبرع بمالهم. واضاف ان اسرائيل تعلم بنشاط العاروري في تركيا منذ سنين، وامتنعت عن طلب تسليمه،او القيام بحملة دعائية علنة ضد استمرار بقائه في تركيا، بسبب الحساسية الدبلوماسية والرغبة في خفض التوتر بين الدولتين، وكانت اسرائيل قد أثارت موضوع العاروري بتركيا، عدة مرات أمام الادارة الامريكية، لكن يبدو أن الولاياتالمتحدة ايضا التي وافقت هذا الاسبوع على أن تبيع تركيا 145 صاروخا لمدى متوسط، تفضل ألا تورط نفسها مع ادارة اردوغان التي لو كانت الظروف مختلفة، لتم إدراجها منذ زمن في قائمة الدول التي ترعى الارهاب. وتساءل برئيل، هل سيصبح كشف الشاباك عن العلاقة بين العاروري وتركيا، عضو الاطلنطي، سلاحا للدفع بضغط امريكي على تركيا؟ . وقال دبلوماسيون غربيون إن "الكشف عن اعتقال خلية لحماس يشهد بأنه توجد نية سياسية من ورائها، لكن في مسألة هل يُضر عرض الصلة التركية الحماسية في شأن الارهاب بالعلاقات بين دول اوروبا والولاياتالمتحدةوتركيا، فقالوا أن مشاركة الولاياتالمتحدة في حرب العراق، يجعلها تحتاج الى تركيا في المعركة الجارية في سوريا، ومن المشكوك فيه أن يصبح العاروري فجأة مركز اهتمام دولي. وقالت الصحيفة، "ولكن العاروري حلقة واحدة بين تركيا وحماس التي أخذت تقوى في اعقاب عملية "الرصاص المصبوب" ديسمبر 2008 ، لأنه اذا كانت حكومة اردوغان حتى عملية "الجرف الصامد" نجحت في تصريف امورها بحذر شديد فيما يتعلق بصلاتها بالمنظمة، بل انها عملت بجد على التنسيق مع اسرائيل لتبلغها عن اتصالاتها بحماس، فان عملية الرصاص المصبوب هي التي بدأت الازمة. وسرد برئيل قائلا "قبيل عملية الرصاص المصبوب التقى رئيس الوزراء ايهود اولمرت مع اردوغان في بيته، في أطار جهود الوساطة التركية بين اسرائيل وسوريا، وأجرى اردوغان واولمرت، محادثة غير مباشرة مع الاسد، وشعر اردوغان بأن له حليفا اسرائيليا يمكن العمل معه، في تلك الأثناء كانت اسرائيل قد بدات بحشد قواتها لعملية الرصاص المصبوب، وبحسب مصدر تركي موثوق ورفيع المستوى، طلب اردوغان من اولمرت خلال لقائهما، أن يمنحه فرصة لمحاولة التأثير على حماس لتكف عن هجماتها على اسرائيل، فرد اولمرت قائلا انه مستعد للتفكير في ذلك، وإنه سيبلغه عن قراره في غضون وقت قصير. وبعدما عاد اولمرت لاسرائيل اخفقت محاولات اردوغان في الاتصال باولمرت، واضاف المصدر التركي بأن اولمرت لم يرغب في الرد على اردوغان، ما سبب قلقا لرئيس الوزراء التركي، وبعد وقت قصير أدرك أن اولمرت لا ينوي أن يُشركه في قراره ألبتة. ثم تفجرت عملية "الرصاص المصبوب" فجُن جنون اردوغان، وبعد أشهر التقى اردوغان بالرئيس "شمعون بيرس" بالمنتدى الاقتصادي بدافوس 2009، ولم يستطع اردوغان ضبط نفسه، فانفجر غاضبا على بيرس في لقاء تلفزيوني مشترك وطرح السماعة وغادر القاعة غاضبا. وتقر محافل في تركيا انه منذ ذلك الحين قرر اردوغان احتضان حماس، ولكن ليس سلوك اولمرت وحده الذي أغضب اردوغان، ولكن كان قد تم ابعاد تركيا عن كل مشاركة في المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، وبرغم أنها شعرت بأنها تستطيع أن تكون وسيطا، أبعدتها اسرائيل ومصر مبارك الذي كانت علاقاته باردوغان تشبه العلاقة بين جبلي جليد. وتقول الصحيفة : اردوغان على المنهج السياسي الذي صاغه وزير خارجيته "احمد داوود اوغلو"، وهو مبدأ "صفر مشاكل مع الجيران"، فاقترب من النظام في سوريا، وكذلك ايران، فلما لم تنفعه اساليبه حول المسألة الفلسطينية استخدم استراتيجية تشبه استراتيجية ايران، القائمة على اساس "اذا لم تكن قادرا على التأثير بواسطة الدول فحاول بواسطة منظمات". وبعد عام على مؤتمر دافوس قامت مشكلة السفينة "مرمرة" لفك الحصار عن غزة، فتحول اردوغان في غزة الى فارس. وعندما قطعت حماس علاقتها بنظام سوريا، وغادرتها في فبرير 2012، واجهت المنظمة مشاكل مالية كبيرة، فانفصالها عن سوريا اعقبه انفصالها عن ايران، وكان الاخوان المسلمون يحكمون في مصر،فمنحوا ابنائهم الايديولوجيين معاملة جيدة، لكنهم لم يستطيعوا تعويضهم عن التمويل المفقود من ايران، فخزانة مصر حينذاك كانت فارغة، فهبت قطر، التي تستعمل هي ايضا استراتيجية التأثير بواسطة المنظمات، فتبرعت بمبالغ ضخمة للانفاق على بنى تحتية مدنية في غزة لتقوية حكومة حماس. وفي اكتوبر 2012 جاء أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني لزيارة رسمية لغزة كي يعلن تبرعا كبيرا ب 400 مليون دولار، وكان من بين مستقبليه صالح العاروري الذي جاء خاصة من تركيا لحضور مراسم الاستقبال. اما تركيا فساهمت بمبالغ مالية أصغر، وتشير التقديرات الى إنها منحت حماس بين 2012 و2013 نحوا من 300 مليون دولار، وهذا مبلغ قليل بالنسبة لمطالب حماس الكبيرة، فميزانية حماس السنوية تتعدى المليار دولار، وفي نهاية 2013 قلصت تركيا فجأة من مساعداتها فالتقى خالد مشعل والمسؤول عن الاموال في حماس باردوغان لطلب زيادة المساعدة وإكمال المبلغ الذي وُعد به ولم يُحول، فحصل مشعل على إكمال المبلغ وعلى وعد بمساعدة اخرى ايضا. فتركيا تولي الآن تمويل بناء وترميم الانفاق، ومتابعة بناء المستشفى والمشاريع المدنية الاخرى الخاصة بها في غزة، ولكنها ستواجه مشكلة أن تعمير غزة حينما يبدأ ستشرف عليه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، الذي لايحبه اردوغان.