الذي يكتب عن المرأة ليس متهماً, ولكن الذي لا يكتب هو المتهم.. وتهمته: كيف يتجاهل الحنان و الحب و الجمال و الدلال و الإغراء.. كيف ينسى المرأة التي هي بداية و نهاية كل حي.. أجمل و أسوأ ما في الحياة؟ كانت هذه الكلمات هي التي بدأ بها الأستاذ أنيس منصور مقالة له بعنوان: إحترس.. ممنوع اللمس. وتصديقاً لكلام الأستاذ العظيم, تحدثت إحدى الصحف عن المرأة وكان عنوان المقال كئيباً: المرأة المصرية نكدية, وهي الأكثر كبتاً و كآبة. وهذا العنوان لاقى صدىً كبيراً على مواقع التواصل الإجتماعي التي إمتلأت بتعليقات ساخرة من المرأة المصرية النكدية. وماله, لا توجد مشكلة, فنحن هنا لا يعنينا كثيراً تأكيد المعلومة أو نفيها. وإنما يشغلنا السؤال التالي: وهي كئيبة ليه؟ ونكدية ليه؟ ومسودة علينا حياتنا ليه - نحن الرجال المصريين الجامدين قوي, اللي ستات العالم بيترموا تحت رجلينا "عصب مصري يا معلم, على رأي أحمد مراد في الفيل الأزرق" – على الرغم من أنها تمتلك كل مقومات الحياة السعيدة من أول لحظة لها في الدنيا و حتى النهاية. مش كلنا مصريين وعارفين إيه اللي بيحصل في بيوتنا ولا إيه؟ مش كلنا عشنا و بنعيش قصص رفاهية المرأة في مجتمعنا, وقصص حبنا لها و فرحتنا بها, وتقديرنا لها؟ ولا إيه؟ طيب على سبيل المثال لا الحصر, قبل ولادة أول مولود في أي أسرة نجد أن هناك شبه إجماع على دعوة واحدة وهي "يا رب ولد, أو من باب التغيير: إن شاء الله ولد", طيب لو أن الله خيب آمال الأسرة و كان المولود بنت نجد أن التهاني تأخذ إتجاه واحد يتمثل في: ألف مبروك إن شاء الله تخاويها قريب وربنا يرزقك بالولد. وبلا شك فإن إستقبال دافئ مثل هذا يجب أن يعطيها جرعة ضخمة من الطاقة الإيجابية التي تعينها على المراحل القادمة من حياتها, والمتمثلة في مراحل الطفولة و المراهقة. وهنا ممكن أن نختصر هاتين المرحلتين في بعض الجمل الشهيرة مثل: نظفي غرفة أخوكي – هاتي لأخوكي يشرب – إغسلي المواعين – إنشري الهدوم – ساعدي مامتك وهي بتعمل الأكل – لأ هو ولد. أما الهدية العظمى والذكرى الخالدة التي تبقى معها مدى الحياة و التي نهديها لبناتنا في هذه المرحلة البريئة هي ختانهن, ولمن لا يعلم فإن 76% من النساء المصريات تم تطبيق عقوبة الختان عليهن وهن في مرحلة الطفولة, ولمن عنده شك في هذا الرقم يمكن أن يرجع إلى الدكتور أحمد عكاشة – أنا مليش دعوة – وبالطبع يمكن بسهولة أن نستنتج أن هذه التجربة المريرة هي سبب الكثير من الأمراض النفسية عند نسائنا. أما في مرحلة المراهقة فنجد ان هناك بعض التطور و التغيير مثل: نظفي البيت – إعملي الأكل – رايحة فين؟ - يا قليلة الأدب - إتأخرتي ليه؟ - هو ولد يروح المكان اللي هو عايزه إنما إنتي بنت – يا قليلة الأدب – هو ولد يرجع وقت ما هو عايز إنما إنتي بنت – يا قليلة الأدب – إدخلي ذاكري – يا قليلة الأدب. هذا بالإضافة إلى تعذيب نفسي من نوع آخر يتمثل في تحريم كل أنواع التجمل بالمساحيق, وهذا بالطبع خوفاً عليها, أما إذا فكرت في إزالة الشعر الزائد في وجهها مثلاً – خصوصاً إن البنات بيبقى عندهم شنب يضاهي شنب الصراصير طولاً في هذه الفترة – فهي بذلك فاجرة بلا شك وماشية على حل شعرها, وهكذا تجد نفسها مضطرة إلى تحمل كل أنواع السخرية من كل من يراها تقريباً لتثبت أنها تسير على الصراط المستقيم ومربية شنبها. علماً بأن معظم هذه التصرفات السابقة لا تقتصر على الأب فقط و إنما معظمها يصدر من الأم, والتي كانت بدورها فتاة تعاني من الإضطهاد و العنصرية في يوم من الأيام إلا أنها قررت التعايش مع هذا الإضطهاد على أنه طبيعي و عادي وفطري أي أنه من نواميس الطبيعة, بل وزيادة على هذا تمارسه على بناتها بكل سادية. وبهذا تخرج الفتاة من مرحلة المراهقة و تدخل إلى مرحلة الشباب بصحة نفسية ممتازة وعال العال, مما يعطيها الفرصة الكاملة لتعيش أجمل أيام حياتها على الإطلاق, أيام الشباب والحُب والجمال, وفي هذه الأيام غالباً ما يظهر ذلك الشاب الساحر الذي يرقص قلبها طرباً كلما تراه, فتتبخر الكلمات من على لسانها ويأخذها خيالها إلى خارج جسدها فترى الفستان الأبيض على جسدها, فتحب نفسها و تحب الفستان و تحب من تسبب في إثارة هذا الخيال المُحَرم, وبس. ليه بس؟ لأنها بمجرد أن تعرض الأمر على اسرتها وتجيب عن أسئلة والديها – التي تكشف لنا ان العريس مش غني, ولا يملك سيارة, والشقة ليست ملكه, وكمان مش دكتور ولا ضابط, أو أنه دون مستوى الأسرة – يتم رفض العريس. وهنا يكون أمامها إختيار من إثنين, إما أن تستسلم لرغبة أسرتها وتتنازل عن حبها, وبالتالي سيكون مصيرها الزواج بشخص لا تحبه وتحيا حياة روتينية كئيبة وليست من إختيارها. أو أنها تحارب و تقاتل من أجل حبها, ودائماً ما تكون هذه الحرب طويلة ومرهقة وتستهلك الكثير من أعصاب الفتاة العاشقة, ولكن غالباً ما توافق الأسرة في النهاية ولكن على مضض وهم كارهون. وتبدأ الفتاة مرحلة جديدة من حياتها, وتأخذ هذه المرحل ثلاثة إحتمالات, أولها الإحتمال المثالي وهو نادر ولا يحدث إلا قليلاً وبيعيشوا في تبات ونبات وبيجيبوا صبيان وبنات, ولهذا فلن نتطرق له. أما الإحتمال الثاني فهو الأسوأ على الإطلاق ولكنه يحدث ويتكرر وسيستمر في الحدوث, ويتمثل هذا الإحتمال في أن ينشأ نوع من الفتور بين الزوج و بين أهل زوجته الذين رفضوه في البداية. ورداً على هذا الرفض يتحول شعور الرجل نحو فكرة زواجه منها إلى شعور بالتحدي و الإصرار على الحصول عليها, ولكن ليس حباً لها في هذه المرة بل إنتقاماً من أهلها و إمعاناً في إذلالها, وليثبت لنفسه المريضة أنه نال منها ما يريد وآن له أن يلقي بها إلى أهلها مكسورة محطمة – مش هما كانوا رافضين؟ يشبعوا بيها ويدورولها على واحد احسن مني – بعد أن حصل عليها و اصبحت بالنسبة له بضاعة مُجربة, يمكن تجريب غيرها. وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد, بل يستمر العناء بطريقة أخرى في بيت أهلها, لأنهم سوف يلقون عليها كل اللوم لأنه كان إختيارها الذي أصرت عليه و حاربتهم من أجله, وعليها أن تتحمل كل العقبات النفسية الناتجة عن الطلاق الذي لا تعرف له سببا, وعن حبها الضائع الذي إنصب على رجل لا يستحقها و لا يستحق مشاعرها, بالإضافة إلى نظرات أهلها وكلماتهم التي لا تختلف كثيراً عن ضربات السيوف والخناجر. ويتمثل الإحتمال الثالث في زوج سوي إلى حدٍ ما, يبدأ معها حياة جديدة, حياةً أكثر إستقراراً لها وله, ولكن هذه الحياة لها ثمن يتمثل في واجباتها إتجاه زوجها و بيتها, هذا بخلاف العمل على إرضاء اهل زوجها, ودور ربة المنزل لمن لا يعلم هو دور شاق جداً و غالباً ما يحول المرأة دون أن يشعر أحد إلى خادمة المنزل أو على افضل تقدير شبه خادمة. وهذا له أسبابه المنطقية و المتمثلة في النشأة و التربية والأفكار المغلوطة التي تحولت إلى معتقدات والتي تقول بأن جميع الواجبات المنزلية هي مسئولية المرأه, وإذا كان يجب على أحد من الأسرة مساعدتها فسيكون هذا الأحد هو إبنتها, ومش هتفرق كثير إذا كانت إمرأة عاملة وتساهم في النفقات, بل يجب عليها في هذه الحالة ان توفق بين عملها و الرعاية بزوجها وبيتها. أما أسوأ ما قد تفعله هو أن تبوح بشكواها إذا شعرت بالتعب و الإرهاق, ويمكن أن نُرجع هذا إلى سببين: الأول: أن هذا واجبها, والثاني: أنها عندما تشتكي تكون إمرأة شكاية و نكدية و عايزة تتخانق. ومع كل هذه الواجبات يجب عليها أن لا تنسى أن تستقبل زوجها دائماً بوجه بشوش, وملابس نظيفة, وشعراً مرتباً ورائحةً زكية, ويا سلام لو إهتمت برشاقتها. أما زوجها – العرق المصري – والذي غالباً ما تتشابه مواصفاته والمتمثلة في كرش ما بين المتوسط و الضخم, رأس أصلع لم يتبقى فيه سوى بضع شعيرات مجعدة من الجانبين, وتفوح منه رائحة عرق زكية تختلط برائحة سجائره, يرتدي ملابس لا علاقة لها ببعض, فهو رجل شقيان طول النهار – وهي لأ حتى لو كانت بتشتغل – يعمل ويتعب لتوفير لقمة العيش, ولهذا فلا بأس إذا إستلقى على الأريكة أمام التلفاز ليرتاح, يطلب منها و يأمرها, ومن حقه أن ينتقدها طوال الوقت كما يريد, ولا يساعدها في شئ على الرغم من أن الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام قا: خيركم خيركم لأهله وعلى فكرة مواصفات الرجل المصري السابقة أفضل بكثير من الرجل المصري الرشيق ذو الشعر الناعم الحرير و الرائحة الزكية و العيون الواسعة الملونة, ليه بقه؟؟ لأنه أكيد هيدلع نفسه و هيحب نفسه أكثر من زوجته و أولاده, وإبقي قابليني لو جوزك اللي زي القمر ده ما صاحبش غيرك و خانك, وده طبعاً كلام يخلي مراتي تحمد ربنا إني من النوع الأول. ده غير مثلاً إن إحنا من أكثر الدول تميزاً على مستوى العالم في التحرش بالنساء, لدرجة إن محدش بيتحرش بالنساء أحسن مننا غير أفغانستان, بس مش هنسيبهم, وحياة أمهم لنغلبهم, بس إنتوا قولوا إن شاء الله. وما يجعل الأمر مميزاً أكثر هو أن التحرش عندنا ليس موجهاً نحو فئةٍ معينة ترتدي ملابس مثيرة "وسيكسي" , بل يطال الجميع محجبة ومنقبة, أي أنه موجه نحو المرأة و فقط. إلا أن الجدال الدائر حول وقائع التحرش دائماً ما يلقي اللوم على الضحية, فهي دائماً فاجرة تثير الرجال, وكلما ظهر من يدعوا إلى مكارم الأخلاق وطالب بزيادة العقوبة على المعتدي ظهر في المقابل أعداد أكبر تدعوا إلى محاكمة الضحية المثيرة, وتجاهلوا حقيقة أن هناك أزمة أخلاقية شديدة, وأمراض نفسية معقدة عند معظمنا من الرجال, والمرض ليس مقتصراً على جيل واحد بل هو للأسف وشئنا أم أبينا يمتد إلى الثلاثة أجيال التي تعيش الآن:الشيوخ و الشباب و الأطفال, قد نجد هنا من يدافع عن الشيوخ قائلاً أن هذا الكم من التحرش لم يكن موجوداً على أيامهم, حسناً, أوافقكم الرأي, ولكن أليس الشباب و الأطفال المتحرشين نتاجاً لتربية من سبقوهم؟ طيب نراجع نفسنا كدنا ونشوف, لو إحنا الرجالة مش معقدين, والبنات هي اللي ناقصة تربية, مين البنات اللي مش متربية بالضبط؟ طبعاً بنات الناس الثانيين, إخوات الناس الثانيين, زوجات و أمهات الناس الثانيين, إنما إحنا! لأ طبعاً إحنا ستاتنا متربيين و زي الفل, إنتا هتتجنن و لا إيه؟ لو الكلام ده مقنع ليك خلاص يبقى إنت راجل زي الفل, والبنات كلها مش متربية ما عدا البنات اللي في عائلتك, إنتوا ناس زي الفل. وفي كل المراحل السابقة ممكن يخترقها نوع آخر من تكريم المرأة و هو ضربها, وهنا طبعاً هتلاقي أدلة كثير على إنها لازم تتضرب, هو إنت مش مسلم ولا إيه؟ هتعترض على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ولا إيه؟ وهنا نجد أن الرسول عليه الصلاة و السلام بدأ الأمر بأن قال: لا تضربوا النساء, يعني في الأصل نهى الرسول عن ضربهن. فجاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله وقال "ذئرن النساء على أزواجهن يارسول الله" أي ظهر منهن النشوز والتجرأ على ازواجهن, وهنا رخص الرسول بضربهن. وهنا يمكنني أن أضيف أن النشوز قد يظهر من الرجل أيضاً, فهل يعني هذا أن من حق المرأة أن تضرب الزوج إذا ظهر منه نشوزاً؟ فجاء العديد من النساء إلى رسول الله يشكون من أزواجهن, فقال رسول الله "لقد أطاف بآل بيت محمد نساءٌ كثير يشكون ازواجهن, ليس أولئك بخياركم". يعني الرجل الذي اشتكت منه زوجته لإعتدائه عليها هو من شرار الناس. أما تصريح الرسول عليه الصلاة والسلام بضرب النساء فقد وضع له حدود قائلاً: "ضرباً غير مبرح" وقد سأله عطاء بن عباس, وماهو الضرب الغير مبرح؟ فقال: بالسواك ونحوه. وهنا نجد أن التصريح بضرب النساء ليس خطأً من الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى, وإنما هو خطأ المرضى وضعاف النفوس الذين يفسرون الدين على أهوائهم, فهم في هذا الأمر لا يختلفون أبداً عن الذي يكتفي بقول الله تعالى "لا تقربوا الصلاة" ويسكت عن باقي الآية. خاصةً أنه لم يرد أي تأكيد على أن الرسول عليه الصلاة و السلام ضرب واحدةً من نسائه قط, وخاصةً أنه ختم حياته قائلاً: أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت? اللهم فاشهد. ومن كل ما سبق يمكننا أن نستنتج أنه إذا كانت المرأة المصرية نكدية وهي الأكثر كبتاً و كآبة, فإن الرجل المصري هو الأكثر قدرة على التنكيد على المرأة وكبت مشاعرها والتسبب في إكتئابها.