لم تتحول إلى قضية رأي عام ولا حتى الى قضية نخبة ثقافية أو فنية. هي أقرب إلى كونها محاكمة للعهد السابق ولفنان انتمى إليه بالفطرة والتجربة، والتحق بالموجة التي انتجها وبلغت ذروتها في افتعال دور الصراع مع الإسلاميين. الحكم على الفنان الكبير عادل إمام بالسجن ثلاثة اشهر مع الغرامة، بعد إدانته المكررة بازدراء الأديان في أعماله الفنية الأخيرة، لم يثر العاصفة المفترضة، لا في الإعلام ولا في الشارع ولا في الوسط السياسي المصري الذي يخوض هذه الأيام واحدة من أهم تجاربه ويواجه أحد أبرز تحدياته: إعادة بناء الدولة وصياغة خطابها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. جاءت المحاكمة والحكم في لحظة مؤثرة، لكنها أدرجت على الفور في القضايا التي سبق لنظام حسني مبارك أن أباحها لفترة، والتي عرفت بدعاوى الحسبة التي استهدفت عدداً من الرموز الفكرية والثقافية، لا سيما الراحليْن الأديب نجيب محفوظ والمفكر نصر حامد أبو زيد. لكنها لم توضع في سياق الاختبار للثورة المصرية ولا طبعاً للإسلاميين الذين استولوا عليها أخيراً. فالفنان الكبير، الذي تميزت بعض أعماله المسرحية والسينمائية بطابع نقدي للنظام، لم يكن من هواة الثورة ولا من محبذيها، بل قال كلاماً مسيئاً بحقها وبحق الثوار، عاد ونفاه في وقت لاحق، لكنه كان قد لطخ سمعته ومحا اعتراضه، السابق للثورة، على فكرة توريث الحكم الى نجل الرئيس مبارك جمال.. وساهم في تصنيفه الحالي من فئة الفلول، الذين ما زالوا ملاحقين او محاصرين، وبينهم مجموعة من الفنانين والفنانات الذين لا يمكن أن يعودوا الى العمل في الفن أو في الحقل العام أبداً. الدعوة التي رفعت على عادل إمام لم تخرج عن هذا السياق، لكنها أيضاً توجت حملة الزحف الإسلامي للاستيلاء على الثورة، التي قرعت أجراس الإنذار في الوسط الفني قبل سواه من الأوساط السياسية والعسكرية والقضائية التي تمكنت في الأسابيع القليلة الماضية من وقف هذا الزحف او على الأقل عرقلته، بعدما كادت تصل الى رئاسة الجمهورية وتحتكر كتابة الدستور وتؤسس للخلافة. تثبيت الحكم بالسجن على عادل إمام لا يمكن أن يوضع بسهولة في مجرى الصراع الإسلامي المدني الذي تشهده مصر هذه الأيام، لأن الفنان الكبير بات ظاهرة مضت، وتكاد تصبح من التاريخ الفني والسياسي، لا سيما في ضوء ظهور نجوم واعدين للكوميديا المصرية يضاهون عادل إمام ويتقدمون عليه، وفي ضوء تواضع التيار الإسلامي وانضباطه تحت سلطة القضاء، الذي يمكن ان يبرئ الفنان الكبير عندما يتقدم محاميه بالاستئناف، باعتبار ان الدعوى باطلة حقاً والذنب غير ثابت فعلاً.. من دون ان تشعر مصر بأنها أمام قضية رأي عام تستدعي اللجوء الى الشارع. هي محاكمة للماضي، أكثر مما هي علامة للمستقبل -------------------------------- "نقلا عن صحيفة السفير اللبنانية "