الاعتكاف ..إتمام لدرجات الصيام..من السنن التي سنها النبي، صلى الله عليه وسلم، سُنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، ونجد أن في معظم المساجد في مصر تمتلئ بالمعتكفين في العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وبسلف هذه الأمة، ومن سافر إلى الحرمين الشريفين في العشر الأواخر من رمضان لأداء عمرة رمضان سيجد هذه السُّنَّةَ واضحة جلية وأكد علماء الدين أن مشروعية الاعتكاف تأتى فى العزلة عن المخلوقات والتفرغ الكامل للخالق عز وجل، وألا ينشغل الإنسان بالدنيا، ويعوض مافاته من العبادات فى الشهر الكريم من خشوع القلب لله. ويقول الدكتور السعيد محمد على من علماء وزارة الأوقاف، إن الاعتكاف فى اللغة أى يلزم المكان، وشرعاً لزوم المسجد من أجل العبادة لله سبحانه وتعالى، أما عن الحكمة من مشروعية الاعتكاف فإن له فوائد عظيمة، منهااعتزال مؤقت عن أمور الدنيا، وزينتها، وإقبال على الله عز وجل، ونسيان لكل المخلوقات، خاصة فى ختام الشهر المعظم، فهو متمم لفوائده ومقاصده، وإدراك لما فات الصائم من خشوع للقلب، وهدوء للنفس والتفرغ الكلى للمولى عز وجل، ولهذا قال السلف الصالح: الاعتكاف هو قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وعلى ضوء ذلك فإن الحكمة من مشروعية الاعتكاف التفرغ للعبادة من صلاة وذكر وتلاوة وغير ذلك، وهذا لا يتم إلا بالعزلة عن الناس وبتركيز دون سهو وتفكير فى الدنيا، وهذه العزلة لا تتحقق إلا بمكان خاص يخلو فيه المعتكف كما يوجد فى كثير من المساجد، حيث يوجد فيها غرف خاصة يخلو فيها المعتكفون، أما إذا انتفت الخلوة الحقيقية أو الحسية فلا ينبغى تفويت الخلوة الحكمية أو المعنوية، بمعنى أن يحرص المعتكف على الانفراد بنفسه ولو كان معه معتكفون آخرون فى المكان، ولا يتم هذا إلا بإدراك معنى الاعتكاف وحكمته ووظيفة المعتكف، ومنع النفس من الاسترسال فى مخالطة غيره أو الرغبة فى التحدث معهم . وأضاف: أما حكم هذا الاعتكاف فمذهب الجمهور أكدوا أنه سُنَّة مطلقة فى كل الأزمان، وسُنَّة مؤكدة فى العشر الأواخر من رمضان، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، داوم على الاعتكاف، قالت عائشة رضى الله عنها : (كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله)، وعن أبى هريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذى قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)، وأفضل الاعتكاف فى رمضان يكون فى العشر الأواخر منه، تأسياً بالنبى صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه اعتكف فى غير رمضان، إلا قضاءً لما اعتكف فى شوال، ولا دليل على أفضلية الاعتكاف فى غير رمضان لا من قول، ولا من فعل، والنبي، صلى الله عليه وسلم أفتى (عمر) أن يعتكف فى غير رمضان للوفاء بنذره. أحكام ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه يجوز للإنسان أن يبطل اعتكافه ويخرج منه بدون عذر، ولا إثم عليه فى ذلك، لأن الاعتكاف سُنة، والسنة يجوز تركها، لكن الأفضل إتمامه إذا لم يكن هناك عذر لقطعه، تحصيلاً للفضيلة، وإظهاراً للرغبة فى الطاعة، أما عن مكان الاعتكاف فهو المسجد، وهو مكان عام فى كل مسجد، لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد) وهذا لفظ عام، وذلك لأن الاعتكاف فى غير المسجد يؤدى إلى ترك صلاة الجماعة فى المسجد، والجماعة واجبة، والواجب لا يُترك للمندوب، أو يؤدى إلى تكرار الخروج لصلاة الجماعة كثيراً. ويجوز للمعتكف الخروج من معتكفه والتنقل فى أنحاء المسجد، والخروج إلى ساحته المحددة بسور المسجد، لعموم قول الله تعالى فى الآية المشار إليها أى أنها تشمل محيط المسجد كاملاً. واضاف: أما عن وقت دخول مكان الاعتكاف فإن المعتكف يدخل قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف فى العشر الأواخر التماس ليلة القدر، وهى ترجى فى ليالى الوتر، وأولاها ليلة إحدى وعشرين. وأما وقت خروج المعتكف فى العشر الأواخر فاستحب كثير من أهل العلم أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه لصلاة العيد، لكى يصل عبادة بعبادة، وهناك قول آخر يخرج إذا غربت الشمس ليلة العيد، لأن العشر تنتهى بانتهاء الشهر الذى ينتهى بغروب الشمس من ليلة العيد. واشار الى انه لابد أن يكون الاعتكاف فى مسجد تقام فيه صلاة الجماعة ويجوز خروج المعتكف لحاجته مثل: البول والغائط، وكذا الإتيان بطعام وشراب، أو الإتيان بملابس من المنزل أو المغسلة، أو الإتيان بلحاف أو فراش أو نحو ذلك، إذا لم يوجد من يأتيه بشيء مما ذكر، والأولى أن يأخذ المعتكف معه كل ما يرى أنه بحاجة إليه لقول أبى سعيد رضى الله عنه: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من اعتكف فليرجع إلى معتكفه .....) ويجوز الخروج لغُسْلٍ واجب لاحتلام، ونحو ذلك إذا لم يكن فى المسجد مكان للغسل، قالت عائشة رضى الله عنها: (والسنة فى المعتكف: أنه لايخرج إلا لحاجته التى لابد منها) أى للضرورة الملحة.
اعتكاف المرأة
وفى السياق ذاته، أكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ان المرأة ليس لها أن تعتكف إلا بإذن زوجها إن كانت ذات زوج، ويستحب لها أن تستتر بشيء؛ لأن نساء النبى صلى الله عليه وسلم قد فَعَلنَه لمّا أرَدْنَ الاعتكافَ، ولأن المسجد يحضره الرجال، فإذا ضرَبَت المرأة عليها ساترًا فينبغى أن تجعله فى مكان لا يصلى فيه الرجال؛ حتى لا تقطع صفوفهم وتضيق عليهم, وليس للمعتكف فى حال اعتكافه أن يتكسب بالتجارة أو الصناعة، وإنما يستحب له أن يتشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحوها من الطاعات، ويجتنب ما لا يَعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يُكثر الكلام، ويَتجنب الجدال والمراء والسباب والفحش. وتوضح الدكتورة أسماء السبكى مدرس التفسير وعلومه بجامعة الأزهر، ان الاعتكاف هو عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبُّه، والإقبال عليه فى محلِّ هموم القلب وخطراته، فيستولى عليهتبدلها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكر فى تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسُه بالله بدلاً من أنسه بالخلق.