قساوة السياسة بلغت مداها؛ فالذين قالوا إنهم يسعون لبناء وطن يتسع للجميع، والذين وعدوا بصياغة علاقة جديدة بين المجتمع والسلطة، عادوا – في نهاية المطاف - إلى قواعد مصالحهم الضيقة، وقرروا أن يمدوا أبصارهم إلى آخر فضاء الوطن، ليفرضوا سطوتهم عليه باعتباره ملكًا لهم.. رضي الآخرون أم أبوا!. السلفيون قالوا – في بداية ظهورهم – إنهم يلعبون على 5% من مقاعد البرلمان نظرًا لحداثة خبرتهم السياسية، فلما أثمرت الصناديق 25%، أخذتهم النشوة، فأعلن أحد قادتهم أن وجودهم في الشارع يفوق ذلك كثيرًا، واعدًا بأن يمسكوا بالأغلبية في غضون سنوات، تمهيدًا لصياغة المجتمع والثقافة وفقًا للمرجعية الإسلامية الصحيحة، حسب فهمهم. ولم تختلف جماعة "الإخوان المسلمين" كثيرًا عن هذا المسار، فقد وعدت في مستهل المرحلة الانتقالية بعدم المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، لكنها عادت خلال الأيام الماضية لتلوح بترشيح رجلها القوي خيرت الشاطر لخوض هذا السباق، دون أن تعي خطورة ذلك سواء على مصداقيتها لدى المواطن، أو على نظرة التاريخ لها. اكتفت الجماعة الأكبر في مصر بتبرير تحولها الحاد، بلغة برجماتية فجة، مفادها أن الظروف تغيرت، وعلى السياسة أن تواكبها.. قال قادة الجماعة: "كانت أمريكا خائفة منا، والآن صار بوسعها أن تراجع تجربتنا في الانتخابات البرلمانية لتعلم أن وجود رئيس إخواني لن يؤدي لأزمات كتلك التي ظل نظام مبارك يحذر منها، حتى وهو في النزع الأخير". وقالوا أيضًا إن الشعب المصري لم يكن – يوم وعدته الجماعة بالزهد في الهيمنة – يعرفهم بشكل كاف. أما الآن، فالكل يدرك أن "الإخوان" تملك من القوة والقدرة والروية (والعقل ضمنا) ما يجعل "ابنها الرئيس" أفضل من غيره إذا جلس في قصر الرئاسة الخالي. غير أن مثل هذا المنطق قد ينطلي على شباب الإخوان فيتخلوا عن تأييدهم للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، ويلتفون حول الشاطر صاحب "كاريزما الغموض". وبمثله أيضًا يمكن حصار "فتنة حازم أبو إسماعيل" التي تزداد خطورة مع الوقت بشواهد التوكيلات والاستطلاعات، لكن المؤكد أنه (هذا المنطق) سيجد صعوبة في الرواج بين الناخبين، والسبب لا يتعلق بشخص الشاطر أو بالموقف من برنامج الجماعة، وإنما بقناعة ترسخت – خلال انتخابات مجلس الشعب – بأن الإخوان، كغيرهم من الأحزاب والتيارات، يتحركون على وقع حساباتهم الخاصة. بتلك الروح، تتمدد قساوة السياسة، فيفقد الحالمون أوراق تفاؤلهم، ويرتدُّون – مجبرين - إلى وصية لقمان لولده: "إذا افتخر الناس بحُسن كلامهم، فافتخر أنت بحُسن صمتك".