أدعوكم لترك التناحر السياسى والعمل على تطوير لغتنا وقواميسُنا العربية وتحديثها ونشرها وتعلُّمها في العقود الأخيرة شهد العالمُ العربى كلة تحولات عميقة على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية، وتطوراً غير مسبوق في الصناعات والاختراعات والتقنيات ووسائل الاتصال وتداخلاً مكثَّفاً بين الشعوب والحضارات واللغات والثقافات، وكل ذلك كان له انعكاسُه وتأثيره القوي على اللغة العربية وسائر اللغات الاخرى. فاللغة هي الأداة التي كان عليها أن تصبح قادرة على التعبير في كل المجالات، واستيعاب التدفق الهائل للمعلومات والمصطلحات والأفكار والنظريات. فهل قدمت لغتنا وقواميسُنا الحديثة مادة معجمية تتجاوب مع هذا التحول الكبير الحاصل في كل مجالات حياتنا العصرية ؟ وهل واكبت بشكل مستمر كلَّ ما يستجد من ألفاظ حضارية واصطلاحات علمية، وكل ما تروّجه لغةُ الصحافة ووسائل الإعلام، من تعبيرات وتراكيب تحتل مساحة واسعة في لغتنا اليومية . وهل وضعت مُقابِلاتٍ لكل أسماء المُستَجدّات في عالم الآلات والأدوات والسِّلع والمنتوجات والمُختَرعات والمِهَن الجديدة، لتلبية حاجة مُتعلِّمي العربية ومستخدمي هذه القواميس بصفة عامة؟ لا شك أن تراث اللغة العربية غنيٌّ جداً بأنواع القواميس اللغوية على نحوٍ لا نجده في تراث أية لغة حية أخرى ولم تتوقف عمليةُ إنتاج القواميس العربية بشتى أحجامها وأصنافها وموضوعاتها ومناهجها وتوجهاتها حيث شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ظهور قواميس عربية كثيرة، حاول أصحابُها قدر مستطاعهم، تلافي العيوب المنهجية في القواميس القديمة مثل محيط المحيط للبستاني (ظهر سنة 1886 م)، والمُنجِد لليسوعي (ظهر سنة 1908 م)، والمعجم الوسيط (ظهر سنة 1960 م وأعيد طبعه سنة 1972 م)، والمعجم العربي الأساسي (ظهر سنة 1989 م( ويجب التأكيد على أن مجمل هذه القواميس ولو اعتبرناها بمثابة مَحطَّات أساسية في تاريخ قواميسنا الحديثة، ورغم أهمية ما أنجزته وما حققته من إضافات، وما أسهمت به من تطوير وتحديث ، وغير ذلك من المزايا الكثيرة، أصبحت اليوم - في ظل ما تعرفه اللغة العربية حالياً من نمو وتوسع كبيرين من جهة، وفي ضوء مُستَجدّات التقنية الحديثة للقاموسية من جهة أخرى - قواميسَ مُتجاوزَة وغير مُواكِبة للمرحلة الراهنة، من ناحية المادة المعجمية والتقنية المستعملة في مَعجَمة هذه المادة من ناحية أخرى.