الصحف، كالقصائد، أنواع..فمنها الجاد والساخر، الفصيح و العامي، ومنها أيضا ما يُكتَب فى ساعة ورَع أو طمَع أو هلَع، لكن أصدقها بالتأكيد ما يخرج فى لحظة اشتياق. و"المشهد" قصيدة غرام كتبها عشاق لعشاق، فإن هزّت القلوب أو مستها أو حتى لامستها، تكون قد أنجزت خطوتها الأولى بنجاح، وإن خاب الرجاء، فعليها أن تصحح أخطاءها بسرعة وتعيد المحاولة، حتى لا تقع فى بئر النسيان التى ابتلعت قبلها تجارب فذة، ظن القائمون عليها أنهم ملكوا النواصى والأقدام. غير أن العشق فى حالة "المشهد" مُركّب و مُرهِق. مُركَّب لأنه يشمل دوائر عدة، لكل منها شروط رضا. نعشق مصر، و نعرف أنها تستحق، بعد 30 عامًا من "صحافة الوجه الواحد"، طلة مهنية تليق بقامتها الحقيقية.. قامة ناصر، وخالد، وطه حسين، ونجيب محفوظ، والحكيم، وإدريس، وسيف الدولة، ومستجير، والمسيري. و نعشق الصحافة نفسها.. نتأملها صباحًا ومساء، نشعر بجرح كبريائها، و نأمل أن نعيد الاعتبار للمدرسة الأهم فى تاريخها، وأن نكون ظلاً أو شبه ظل للتابعي، وهيكل، و بهاء الدين. ثم إننا نعشق الثورة.. نقر بأنها التاريخ الحقيقى لميلادنا، و أن وجوه شهدائها وأبطالها هى شموس فجر أتى بنا، كل من غربته، ليحتضن دفء وطن حُرمنا منه سنوات، فوجب علينا أن نكون بروعة ذكراهم.. أو على الأقل، ذكرى لروعتهم. وهو عشق مرهِق، و الأسباب كثيرة. قيود ما زال البعض يفرضها على الصحافة، إن لم يكن بداعى ما يسمى الضرورة الوطنية، فبحكم قوانين جائرة أحق لها أن تُحرَق فى ميادين الثورة. إشارات تأتي، صراحة وبالإيماءة، بألاَّ تُصدقوا أن الزمن اختلف، فالتزموا الحد المسموح و إلا أعدناكم، كما كنتم، أول مرة. غير أن السبب الأهم للإرهاق، هو عبء العشق نفسه، فالصحفى الذى يصاب بتلك الحالة يسكنه القلق، فلا فكرة أقل من السير فوق السحاب، ولا صياغة أدنى مما خطّه العمالقة، ولا عنوان إلا لو كانت كلماته بوهج الشمس ورقة الورد وعطر الياسمين. مثل هذا الإرهاق يتحول إلى مخزون فخر، حين ينظر الصحفى فى عين قارئه فيلمح فيها بعضًا من حب.. و البعضُ، كما قال الأولون، مقدمة للعشق كله.