الأستاذ جمال سلطان ، تحياتي وتقديري ، رغم أني صحفية بالأهرام إلا أني أجد نفسي في جريدتكم أكثر مما أجدها في أي صحيفة أخري ,و كثيرا ما شاركت بتعليقاتي علي مقالات الرأي بها وصارت تربطني ببعض المعلقين روابط الصداقة علي الورق , فأفتقد نانسي وأنتظر نبيل زيدان وعمر عادل والمشاغب , بل وحتي المعلقين الجدد كأمل مصر والسيدة مني , لا, بل كل المعلقين فهم أرقي فهما ووعيا من كثيرين ممن يمسكون بالأقلام في أماكن أخري. وإليكم بعض كلمات رأيت أن أعبر بها عما يعتمل في صدري تجاه ما حدث. ميدان شهداء التحرير أجمل ما في الميدان الرمز أنه كان بوتقة صهرت مصر كلها في لحظة تاريخية فارقة في حياة الأمة .. أجمل ما في الميدان أنه جمع الأطياف كلها , كسر حاجز الخوف ليس بين المصريين وبين النظام . لكن بين المصريين أنفسهم . فهذا مسلم وهذا مسيحي , لكن لا تقف بينهما ترهات الاضطهاد المزعوم و تهويمات أمن الدولة أو تهيجات الخارج . وهذا هو العلماني المتطرف يقف في مواجهة الإخواني القيادي , وهذه الفتاة السافرة يجاورها الفتي الملتزم, والصبي اليافع يجاور الشيخ المسن والمرأة الريفية رقيقة الحال تجاور في جلستها علي أرض الميدان تلك الفتاة المرفهة التي تخرجت في أرقي الجامعات , مستشار الرئيس وسائق التاكسي , القاضي, وعالم الدين . الكل تلاقي فصار أقرب , شاهد بعضهم البعض عن كثب وليس في مرآة النظام التي أعدها بطول البلاد وعرضها ليري خلالها كل منهم الآخر كيفما يشتهي النظام . عندما رأي كل منهم الآخر علي حقيقته , وعرف أنه مصري مثله ينازعه حب نفس الوطن ,ذابت الفوارق وذاب الكل عشقا في هذه الحبيبة التي كان يمنع نفسه عن الاعتراف بعشقه لها في السنوات الأخيرة . بالتأكيد سمع أغنية وطنية هنا أو هناك فبكي بدلا من أن يشدو معها . بكي الحبيبة التي يحرمه من حبها شرذمة قليلون , اختصوا بها أنفسهم وقالوا إنها لهم .. إنتظر أن تقول أنه فلذة كبدها فلم تفعل , أجبر نفسه وقتها علي نسيانها . لكن كيف وهي كل ماله . رفيف الأشجار يذكره بأنه كان يحبها ولا يزال يحبها . مجرد ذكر اسمها في محفل ما يهز قلبه لكنه يتغافل قائلا: لا لا, لا أحبها . لا .. بل هو يذوب في هواها وعندما ألمحت إليه بطرف خفي جري أليها مخلصا , باذلا النفس رخيصة , مستعذبا الموت من أجلها. ظننت أن الحب في ميدان التحرير وحده . لكني كنت واهمة, فالحب في بلادي ولبلادي لا يعرف وقتا ولا مكانا . فهذا هو أخي المسافر في غربته يبحث عن أي مكان علي أية طائرة ليأتي إليها في هذه اللحظات . يشعر أنه لا خير فيه إن لم يكن معها في لحظاتها الصعبة . أرسلت إليه بفيلم فيديو قصير عن الشهداء , وسألته: هل رأيته ؟ فيقول: نعم . فهل بكيت؟ فيقول: نعم . فمن أبكاك أكثر , يقول إنها سالي . يا الله سالي أن أخي هذا شاب ملتزم حريص علي غض البصر , فلما نظر إذن إلي سالي؟ يقول: أبكاني ابتسامتها وألق الشباب في وجهها . براءة طفولتها المختلطة بوهج الشباب , لعل الله غفر لها ونالتها رحمته , نحسبها شهيدة والله حسيبها , ثم أضاف بفرحة طاغية , علمت أنهم سيطلقون أسمها علي أحدي المركبات في وكالة ناسا . ليس هذا كل شيء .فهذا زميل آخر عاد من عمله في الخارج , يقول أنه لم يتحمل البقاء بعيدا و ترك زوجته وابنتيه وجاء ليحتضن لحظات الحرية في بلاده . وهذا زوجي لم يكد يدخل المنزل عائدا من ميدان التحرير يوم جمعة الزحف حتي سمع قرار التنحي فصمم علي العودة مرة أخري للميدان ليحتضن فرحة الحرية مع أهل مصر في الميدان , حتي إن أول ما تذوقه من طعام في هذا اليوم كان في منتصف الليل وبعد أن سار علي قدميه عدة كيلو مترات . إنها مصر الوطن والسكن التي أنستنا في لحظات الحرية آلام كل ما مضي , فهنيئا لكم الفردوس يا من آثرتمونا بالحرية علي أنفسكم, وألهم الله أهلكم صبرا وسلوانا . مرفت عبد العزيز الصحفية بالأهرام