"برج مغيزل".. قرية وميناء عشوائي.. تقع على ساحل البحر المتوسط بمركز "مطوبس" محافظة كفر الشيخ، ويبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة.. القرية دائماً على موعد مع أمواج البحر العاتية التي تبتلع أبناءها وشباب المحافظات الأخرى في رحلات الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا عبر سماسرة احترفوا صناعة الموت. "المشهد" اقتحمت وكر سماسرة الهجرة غير المشروعة، الذين يستعينون ب"ناضورجية" لمراقبة القادمين إلى القرية، والغريب أن أغلب هؤلاء السماسرة ليسوا من أبناء القرية، بل من محافظات مجاورة، وتُعتبَر أسماؤهم "أسراراً حربية". شعرنا بعملية المراقبة طول الوقت، ولذا حاولنا التحرك بتلقائية وهدوء حتى لا نثير الشكوك. انتقلنا من شارع لآخر، وكان واضحاً افتقار القرية للخدمات؛ فالبيوت غارقة في المياه، وأغلبها قديمة، والمياه الجوفية تزحف على الجدران. التقينا بسيدة عجوز، عرَّفتنا بنفسها: "اسمي هانم بركة.. أعرف أفكّ الخط".. هكذا قالت!!.. والدي كان يعمل بالصيد منذ عام1950 وكذلك زوجي – قبل وفاته – وأولادي". ابنها الكبير مات منذ 12 عاماً أثناء رحلة إلى إيطاليا، ولم تر جثته، ويتجدد حزنها كلما سمعت عن أحد يموت في البحر الذي لا يرحم صراخ وألم الأمهات. فجأة تغيرت ملامحها، وأشارت بلهجة حادة إلى سماسرة الموت، واتهمتهم بقتل الشباب، حيث يقومون بتهريبهم إلى إيطاليا واليونان وقبرص باستخدام مراكب الصيد المتهالكة. قطع الحديث صبي يبلغ 15 عاماً جاء وقبَّل يدها باعتبارها "جدته"، وتحدث بطلاقة شديدة، قائلاً: إن اسمه "علي". سألناه عن سماسرة الموت، فقال: "أسعار السفر عبر البحر "ورقة موحدة" مابين 50 و60 ألف جنيه للهجرة إلى اليونان وقبرص وإيطاليا، والسماسرة يستخدمون مساعدين لجلب المسافرين من كل المحافظات". إحجام أهالي القرية عن الحديث بشأن السماسرة، برره الصبي بأنه "جدعنة" من الأهالي، لأن أولادهم يسافرون معهم في مراكب "صح".. استوقفتنا الكلمة، فسألناه: "مراكب صح.. ماذا تقصد"؟! أجاب: السماسرة يخدعون الشباب، ويعدون لهم مراكب صيد صغيرة ومتهالكة، غالباً تكون ضمن مخطط للغرق دون رحمة أو شفقة حتى لا يطالبوا بالمال. وأشار إلى وجود سماسرة "صح" أيضاً، ومعروفون بالأمانة، ولكن السفر معهم قد يكلف 100 ألف جنيه. ولكن الشاب وخاصة من المحافظات الأخرى لا يعرف "المضروب" من "الصح"؛ لأنه يبحث عن السفر دون تفكير. والسماسرة لهم مجلس عرفي حتى لا يعتدي سمسار على الآخر في تسفير شباب دون علمه، ويتعاملون فيما بينهم بإيصالات أمانة بأسمائهم الحقيقية وليست "الحركية"، مشيراً إلى أن السماسرة لهم شبكات في المحافظات مثل دمياط والمنصورة وكفر الشيخ. ويروي تجربته الخاصة: "شاركت في تسفير مجموعة من الشباب بلنش صغير يُوصِّلهم إلى مركب صيد بعد خروجه إلى المياه الدولية على مسافة 5 كيلو مترات تقريباً، وبعدها يقوم ريس المركب أو السمسار بإخفاء المجموعة المسافرة، وقبل الشاطئ بنحو 2 كيلو متر يتم إنزال الشباب ليلاً ليسبحوا تلك المسافة وسط أمواج عاتية في مغامرة محفوفة بالمخاطر". وأكد أن الشرطة تعرف السماسرة، ولكنها تخشى مواجهتهم؛ لأن أغلبهم يمتلكون مالاً ونفوذاً وسلاحاً، وكل ما تقوم به الداخلية هو ضبط الصغار، ثم تُخلي سبيلهم لعدم توافر الأدلة الكافية!