أزمة البوتاجازو فوضى الإدارة قد يبدو غريباً أن أعطي أولوية لأزمة فرعية و قد تكون طارئة لأبدأ بها الحديث عن معاناة أهالي الأٌقصرالتي تشعبت حاراتها و التفت دوائرها بما يصعب معه معرفة من أين يبدأ الحل . و الحقيقة أن هذه الأزمة التي يمكن أن تكون هينة في نظر البعض هي تعبير واضح عن أسلوب فاشل في الإدارة و إهمال شديد وعدم اهتمام مفرط بآدمية أهلنا و أيضاً عن جحيم آلأم تبدأ منذ تعجز الأمهات من الأرامل و المطلقات و الفقيرات ربات البيوت عن عمل شاي الصباح الذي يكون مع بعض اللقيمات هو الفطور الوحيد المتاح لغالب أطفالنا في البيوت الفقيرة التي لا تعرف كيف تستر نفسها منه و من برد الشتاء و كوب الشاي هذا مع كسرة الخبز هو الذي يخرج بعده غالبية العمال المؤقتون بحثاً عن أجر بسيط لعمل يومي قد لا يأتي إلى أحدهم إلا بعد أسابيع و يخرج تلاميذ المدارس الذين لا يحملون مصروفاً و الجوع يعض أحشاءهم إلى أن يصيبهم باكو بسكويت فاقد الصلاحية توزعه المدرسة ليذهب ببعضهم إلى المستشفى - كما حدث في محافظتنا السياحية منذ أيام – حين يفر الموظفون من مكاتبهم و الشباب من مدراسهم و السيدات من بيوتهن ركضاً وراء سيارة أنابيب البوتاجاز يتعقبونها و من معها في الشوارع ويصبح حلم الحصول عليها بأي ثمن حلماً يصعب الوصول إليه و الخوف من استمرار العجز عن إشعال نار تطهو طعاماً ساخناً لن تتذوقه الأفواه منذ أسابيع يتحول هذا الخوف من عدم بلوغ المأمول إلى طاقة عجيبة للركض و التحمل و الصدام مع بعضهم البعض و السباب و ربما العراك و تحقيق الانتصار للأقوى و الأكثر قدرة على دفع الثمن المرتفع في السوق السوداء إلى محترفي سرقة أقوات الناس الذين يتزايدون مع كل أزمة .. والنقص في إنتاج أنابيب البوتاجاز شيء يحدث كل عام مع قدوم الشتاء و المفاجأة به أيضاً من المسئولين الذين لا ينتبهون أبداً تحدث كل عام و الغريب أنهم في محافظة الأقصر هم أنفسهم الذين عاينوها و عاشوا المشكلة في الأعوام السابقة و لكنهم لا يعرفون أنها ستحدث و لا يستعدون ولا يفكرون بطريقة مختلفة أبداً سوى بمفهوم عد الأيام و أزمة و ستمر فلا قواعد للبيانات عن عدد الأسر و لا خرائط حقيقية للتوزيع حسب الكثافات السكانية في المناطق و المدن و القرى و النجوع و لا بحث عن موارد و حصص بديلة للنقص أو زائدة لتعوضه ثم التجارب المتلاحقة في تنفيذ خطط لا تتم دراستها و لا توقع الكوارث التي يمكن أن تنتج عنها فمرة إسناد الأمر للأحياء ثم الحديث عن سرقات تتم هنا و هناك ومجاملات و غير ذلك ثم إسناد الأمر إلى هيئة التكاتك الدولية التي انتشرت كالنار في الهشيم في المحافظة السياحية قبلة أنظار العالم و يتمتع أصحابها بالضمير الحي و النزاهة و نظافة اليد ثم اكتشاف أن هذه الأيدي ملوثة و ملطخة و غير أمينة و تبيع الأنبوبة بأربعين أو ثلاثين جنيهاً ثم استغلال حماس مجموعة من الشباب و الناس الطيبين الذين يشعرون بالآم الفقراء و إسناد الأمر إليهم كلجان شعبية و إلقاء الحمل الثقيل على عواتقهم و تنفض مديرية التموين و المحافظة يدها من الموضوع و قد اطمأن بال الجميع و في ذات الوقت تشتعل الحروب بين المناطق و الأفراد الطيبين الذين تتم مساعدتهم من الأجهزة الحكومية بتخفيض حصة مدينة الأقصر من 2500 أنبوبة يومياً إلى 1300 مع استبعاد يوم الجمعة من الحسبة لأنه يوم الصلاة فلا طبيخ فيه و لا طعام و الشباب الطيبون ليست لديهم المعلومات الكافية عن احتياجات المناطق المختلفة فيجتهدون و يخطئون و تثور بينهم و بين الناس المعارك و تكثر الصدامات ويتحملون الاتهامات بالمجاملة و المحاباة و لا يمكنهم الوصول إلى معظم المستهلكين فتزداد نقمة الناس عليه بينما المسئولون الحقيقيون في مديرية التموين قابعون في مكاتبهم و المحافظة آمنة مطمئنة تنتظر أن تستقر الأمور أو تهدأ بينما ينام الأطفال في بيوت اليتامى البردانين الجائعين بلا عشاء و لا أمل في فطور... و سأضرب مثالاً بمنطقة القباحي الغربي التي يقطنها الآن أكثر من 2000 أسرة بعد أن نزح إليها معظم المهجرين من مناطق الأقصر التي تمت الإزالات فيها بسبب أعمال التطوير. في القباحي الغربي وصلت سيارة أنابيب سعة 300 أنبوبة بتاريخ 4/11 / 2013 تم توزيعها في ظل مشكلات كبيرة ومشادات شهدها القاصي و الداني بوجود مدير إدارة تموين الأٌقصرو من معه من مسئولي الحافظة و المدينة و الحي ثم غابت الأنابيب و رحلت إلى عالم التكاتك المجهول حتى يوم 12 /12 حيث حصلنا بعد الشكاوى و الالتماسات على350 أنبوبة تم توزيعها على الأسر حسب الترتيب الهجائي لأسماء أرباب الأسر و كانت من حظ أصحاب الحروف من الألف إلى الراء و يبقى أصحاب باقي حروف الهجاء التعساء بأسمائهم بلا نار أو طعام ساخن رغم الاستغاثات و الطلبات و الملاحقات و الشجار مع الشباب الطيبين المتحمسين الذين ألقى بهم حظهم التعيس إلى مأساة تحمل المسئولية بينما ينام و يسعد من يقبضون المرتبات لأداء الخدمات إلى البشر الصعايدة الطيبين أيضاً. قد لا يكون ما يحدث لأهالي القباحي الغربي مختلفاً عما حدث و يحدث مع باقي أهلنا في شوارع و حارات و قرى و نجوع الأقصر المختلفة أو غيرها من مدن الصعيد و مصر و أيضاً أنا على يقين أنه ليس مختلفاً أيضاً أداء و تعاطي معظم المسئولين في المواقع التنفيذية المختلفة في هذه المشكلة أو غيرها ... إنه نفس الإهمال و التقاعس و اللامبالاة و العجز و الفشل و تكرار الأخطاء و النوم في العسل.