الشباب قاموا بالثورة ثم فقدوها عندما أدخلها العواجيز دهاليز الأحزاب السياسية المصابة بجميع أمراض الشيخوخة، وأعطوا هذا الوطن أملا جديدا في حياة مزدهرة ثم فقدناه عندما أستولى العواجيز على كل المكاسب وتركوا للشباب القتل والإصابة في المظاهرات، وأرادوا لهذا الوطن أن يكون منارة بين الدول لكن العواجيز أبوا إلا ان يظل هذا الوطن كسيحا كما ورثوه من سنوات حكم مبارك. مصر بمصابة بداء الشيخوخة التي لم تعد تفلح معها جميع المقويات والمنشطات التي يصفها الأطباء، فالمتحكمون في كل مفاصل الدولة عواجيز تجاوزوا الستين من أعمارهم، بل إن رئيس الدولة تجاوز السبعين ورئيس الوزراء تجاوز الثمانين، ورؤساء الأحزاب السياسية أغلبهم تجاوز السبعين وقليل منهم تجاوزوا الستين ببضع سنوات، وليس بينهم شاب واحد، فكيف لهؤلاء العواجيز أن ينجزوا شيئا جديدا وهم لا يستيطعون العمل لبضع ساعات في اليوم وإذا عملوا فإنهم يقضونها في التوقيع على الأوراق وحضور الاجتماعات وتناول المنشطات. ورغم أن الجميع يعلم أن الانسان يكون عطاؤه محدودا للغاية بعد سن الستين ويحتاج لمن يساعده بعد سن السبعين، ولذلك يكون ذلك السن هو الوقت المناسب للإحالة إلى التقاعد ومحاولة الاستمتاع ببقية سنوات العمر، إلا أننا في مصر نصر إصرارا عجيبا على أن الستين هي السن الرسمي للوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين ورؤساء الأحزاب والهيئات، وكأنه مقدر على هذا الوطن أن تحكمه دائما الأيادي المرتعشة والأجساد المسندة إلى عكاكيز والعقول التي تحتاج إلى منشطات حتى تتذكر أبسط الأمور! المقولة التي تستند إليها دائما حكومات العواجيز هي الخبرات المتراكمة لدى هؤلاء، وهي أشياء مطلوبة في المستشارين الذين يحيطون بالوزير أو المسؤول أما عمل الوزير نفسه فهو تنفيذي يحتاج إلى قوة وعزيمة الشباب، لأنه يحتاج إلى التنقل بين الأماكن وتفقد مواقع العمل وتقديم الإثابة للمجتهدين ومحاسبة المقصرين وهو عمل لا يصلح معه العواجيز بحكم السن والظروف الصحية. وليس هناك أمل واحد في المائة إذا ظلت نظرية استبعاد الشباب عن مقاعد المسؤولية واستبدالهم بالعواجيز القادمين من كهوف الخبرات المتراكمة والمتكئين على عكاكيز الأحزاب الكرتونية، والذين تمتليء جيوب بدلهم الفاخرة بأجود أنواع المنشطات المستوردة خصيصا من الولاياتالمتحدة وأوربا، حتى أن الكثيرين ينظرون إلى عزرائيل على أنه المنقذ الوحيد لهذا الوطن الكسيح من ادزهايمر العواجيز. إن سيطرة المصابين بداء الشيخوخة على مقاليد الأمور نقلت جميع أمراض الشيخوخة للوطن نفسه، فالوزراة تكون شابة عندما يكون الوزير شابا عفيا، وتكون مسنة مصابة بجميع الأمراض عندما يتولاها وزير تجاوز الستين، وتصاب بالادزهايمر عندما يتجاوز سن الوزير السبعين، هؤلاء العواجيز يحكموننا بعقلية السبعينات والثمانينات ولم يصلوا بعد إلى عصر الإنترنت فائق السرعة ولا يعرفون عن مواقع التواصل الاجتماعي والحكومات الإلكترونية سوى اسمها فقط! إن الطريق التي وصلنا إليها بعد أعوام الثورة الثلاثة عبارة عن متاهة صنعها العواجيز ليقتل ويصاب فيها الشباب بينما هم الوحيدين الذين الذين يعرفون الطريق الوحيد الذي يصل إلى المواقع المهمة في مفاصل الدولة، ويتركون للشباب التعارك والتشاجر وسط هذه المظاهرات التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد، وكأن شباب هذا الوطن هم سيزيف الذي يحمل صخور النهضة على عاتقة ويصعد بها إلى أعلى الجبل لتعود للسقوط من جديد.