دعونا نفترض جدلًا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تطوع مشكورًا لحماية الثورة، و إكمال مشوارها؛ بعدما رفض إراقة دمها، و رفع قبعته تحية لشهدائها. أولى تعريفات الثورة هي هدم نظام و بناء نظام جديد، و المجلس طيلة عشرة أشهر لم يهدم، و لم يبنِ؛ فالمحاكمات الصورية المريحة لبعض أركان النظام و ليس كافته، و الإبقاء على الوجوه الوزارية المباركية في أكثر من وزارة، و الحفاظ على سياسيات مبارك الاقتصادية و الإعلامية، و فتح البلاد على مصراعيها للمخططات التي يتحدث عنها دون تحريك ساكن أو تسكين متحرك، و إغماض العين عن قانون الغدر أو العزل، أو حتى إفساد الحياة السياسية، و استمرار حالة الخنوع للقوى الغربيةالأمريكية و الإسرائيلية، و عدم التحرك لفعل أي مطلب ثوري دونما ضغط، على أن تأتي الاستجابات قبل المليونيات بيوم أو يومين...شواهد تؤشر جميعها على عدم رغبة المجلس في الهدم. أما في البناء؛ فلم يكن النهج مختلفًا، فترتيب الأمور عكسًا بعدم وضع دستور قبل الانتخابات، أو بعدم الاتفاق بين القوى السياسية على أولوية أي منهما، و آثار ذلك الكارثية التي كان أقلها حالة الفصام النكد بين قوى الثورة التي تلاقت 18 يومًا، و الأزمات التي تبعت ذلك من المبادئ الدستورية، ثم الوثيقة الحاكمة، إلى المجلس الاستشاري و غيرها. و إصدار جملة من القوانين التي لا تختلف أبدًا عن قوانين مبارك، و تفعيلها وقت اللزوم، و تجميدها وقت اللزوم أيضًا، مثل قانون التظاهر و الطوارئ، و كان أسوأها قانون الانتخابات الذي ولد مشوهًا بعد شدٍ و جذب، و عودة وزارة الإعلام، و رفض أي محاولات لإقرار الحد الأدنى و الأقصى للأجور، و وقف أي محاولة جادة أو نصائح حقيقية لإحلال الأمن أو الانضباط، أو إعادة هيكلة وزارة الداخلية، و افتعال الأزمات المتكررة في الطعام و الشراب و البنزين، وغيرها؛ لتكفير الناس بالثورة. ثم إدخالنا في نفق مظلم من الحوادث المريبة المتتالية، في مسرح البالون، و السفارة الإسرائيلية، و مديرية أمن الجيزة، و ماسبيرو، و شارع محمد محمود، و مجلس الوزراء؛ دون أن نعرف عن المتورطين شيئًا سوى أنهم (قوى تسعى لإثارة الفوضى)، و كأننا نقول إنها قوى تسعى لنهضة مصر مثلًا !!!! فلا تحقيق جاد واحد في حادثة من هذه الحوادث؟ و الأحاديث التي تشبه أحاديث النميمة عن التمويلات الخارجية، و المخططات الأجنبية، و الأطراف الخفية، دون معرفة المُمَوِّلين أو المُمَوَّلين، - الأولى بكسر الواو و الثانية بفتحها- و حرق المجمع العلمي و كنائس إمبابة و السيدة عائشة و أطفيح، دون محاسبة شخص واحد. و البصق على مطالب الثورة الثلاثة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية)، و غض الطرف عن أي منها، فأزمات متتالية تقضي على العيش، و قوانين مقيدة للحرية، و لا حدود دنيا أو قصوى تقيم العدالة. الخلاصة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتبع قاعدة ثورية واحدة من قواعد الثورة العامة، و لم يحقق مطلبًا واحدًا من مطالب ثورتنا الخاصة... و العشرة أشهر الماضية تؤكد لنا أنه صحيح أنه حمى الثورة، أعني الثورة المضادة طبعًا.