ذهب الملك الأردني الراحل "حسين بن طلال" في 18 سبتمبر1973 لزيارة محمد عودة الشهير ب"ابو داود" في سجنه بالأردن، وأعرب له عن خشيته من هجوما قد تشنه الدول العربية على اسرائيل، وقال له "عدت من القاهرة، الاخوة قد يشنوا حربا، لا اريدها"، وأضاف "اذا خسر السادات القاهرة، يمكنه أن ينسحب الى أسوان، اذا خسر الاسد دمشق، يمكنه الانسحاب الى حلب، أما انا فاذا خسرت عمان فإلى اين أذهب؟ الى الصحراء؟". يذكر أن، "ابو داود" كان ضمن من خططوا لعملية ميونخ سبتمبر 1971، والتي قتلت فيها المقاومة الفلسطينية، 11 من الرياضيين الاسرائيليين في الالعاب الاولمبية بميونخ، وكان ابو داود يمكث في السجن الاردني منذ العام1972 ، عقب الصدام العنيف الذ وقع بين الجيش الاردني ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كان مقرها آنذاك بالأردن . وكشف عن هذه الشهادة سلسلة من الوثائق والمصادر التاريخية التي تصف التعاون والتنسيق بين الاردن واسرائيل في حرب اكتوبر 1973، وركز عليها الضوء الكاتب الاسرائيلي عوفر ادارات في مقال له تحت عنوان "لعبة الاردن المزدوجة" بجريدة هآرتس الاسرائيلية اليوم د. اساف ديفيد، الخبير في الشؤون الاردنية من دائرة العلوم السياسية في الجامعة العبرية وزميل بحث في معهد ترومان لبحوث السلام، فحص مئات الوثائق من العام 1973، والتي سمحت الولاياتالمتحدة بنشرها، وكان اللاعبين الرئيسيين فيها الرئيس الامريكي ريتشارد نكسون، وزير الخارجية هنري كيسنجر، السفيران الامريكيان في تل أبيب وفي عمان ومسؤولون اسرائيليون واردنيون كبار، وعلى رأسهم الملك حسين. وكشفت الوثائق المفرج عنها أن "قرار الاردن بعدم المشاركة الفاعلة في حرب 1973 كان نبعا من الحوار السري الذي أداره الاردنيون مع الاسرائيليين". وتوضح الوثائق، إن "ارسال لواء اردني الى سوريا، تم بعلم اسرائيل وبالموافقة الصامتة بين الدولتين". وعلق ديفيد على الموافقات الصامتة قائلا "بطبيعة الحال، ما كان يمكن لاسرائيل أن تقر للملك حسين ارسال لواء الى سوريا، ولكنها قبلت بالخطوة الاردنية بصفتها أهون الشرور، وحاولت الامتناع عن ضرب اللواء الاردني، أما الاردنيون من جهتهم فقد وعدوا بان تعمل قواتهم ببطء وبحذر بقدر ما يستطيعون، كما أنهم فهموا بانهم سيكونون ملزمين بالتضحية بجنود في الحرب كي ينهوها دون ضرر في الرأي العام." وكشفت الوثائق أنه "في 10 اكتوبر 1973، بعد أربعة ايام من اندلاع الحرب، اقترح الامير حسن بن طلال، ولي عهد الاردن، على كيسنجر، ان يطلع الملك حسين الاسرائيليين على مواقع انتشار قواته بدقة، ويضمن للإسرائيليين أن "ليس للاردن اي نية للاشتباك بين الوحدات الاردنية والقوات الاسرائيلية"، أما عاهل الاردن نفسه فقال للسفير الامريكي في الاردن، دين براون، ان مشاركة جنود اردنيين في الحرب هي فقط محاولة ل "التغطية على نفسه أمام الدول العربية في حالة أن تدهور الوضع بشكل سريع"، حسبما صيغت الوثائق الامريكية. وفي حديث آخر، مع السفير البريطاني في الاردن،كشفت الوثائق عن رغبة الملك حسين في الاستيضاح "قبل أن يفوت الاوان"، إن كان الاسرائيليون يتفاعلون مع "مبادرته" تجاه سوريا كذريعة للحرب. ويبدو ان الاجابات لم تشفي صدر فبعث ايضا برسالة الى رئيسة وزراء اسرائيل، غولدا مائير، شرح فيها خطواته العسكرية وطلب من اسرائيل "الامتناع عن الهجوم على هذه الوحدة اذا كان الامر ممكنا"، مشددا على أن مثل هذه الخطوة "ستبقي الاردن واسرائيل خارج "حرب عديمة المعنى" الواحدة ضد الاخرى"، ووصفت مئير رسالة الملك بانها "تمس شغاف القلب". وقالت الوثائق أن " اسرائيل تأكدت خلال الايام الاولى للحرب من أن الحسين يفهم بانه اذا انضم الى الحرب فان اسرائيل ستكرس الجيش الاسرائيلي لتدمير الاردن تماما، بسلاح جوه، جيشه وبناه التحتية" . وعليه، طلب وزير الخارجية كيسنجر من السفير الاسرائيلي في الولاياتالمتحدة، سيمحا دينيتس، ان تمتنع اسرائيل عن الهجوم على الوحدة الاردنية، مؤكدا على ان الاردنيين لن يشاركوا في القتال بل "فقط سيقفوا هناك"، ورد دينيتس قائلا "مع ان رد اسرائيل الرسمي سلبي، لكن هذا لا يعني ان اسرائيل ستهاجم الاردن". ولما اضطر الملك حسين في النهاية الى ارسال جنوده الى القتال، بعد أن فشلت الجهود الامريكية لتحقيق وقف للنار، سجلت الوثائق قوله للامريكيين و"كان واضحا أن مزاجه عاصف"، أنه أي ملك الاردن لا يمكنه "ان يبني دولة جديدة وجيشا جديدا من كل هذا الحطام"، وفي حديث مع السفير براون أعلن بانه "يخرج الى الجبهة"، وشدد على انه "ليس مجنونا أو مريضا ولكنه يفضل الموت مع جنوده على العيش بالعار، في دولة مدمرة تحت حكم السوفييت". وبعد ان هدأ ملك الاردن قليلا، ابلغ الملك كيسنجر وغولدا مائير بان جنوده وصلوا الى الحدود الاردنية – السورية، صباح 13 اكتوبر وان "اعمالهم من الان فصاعدا ستكون بطيئة ومتوازنة"، في حين وعدته اسرائيل، عبر الامريكيين، ب"أنه اذا لم يحرك قواته الى داخل سوريا، فستمتنع عن ضرب الاردن." في هذا السياق عثر د. ديفيد في الوثائق الامريكية على تصريحات لرئيس وزراء الاردن، زيد الرفاعي الذي قال للسفير الامريكي ان " المطلوب الآن هو ان يكون هناك شهداء اردنيون". ويشرح ديفيد هذا قائلا بان الرفاعي قال في واقع الامر "انه يبعث بجنود للموت بشكل مؤكد في ميدان المعركة لارضاء "القائد"، وفي نهاية المطاف شارك اللواء الاردني في المعارك وتكبد خسائر فادحة سواء بنار الجيش الاسرائيلي أم بنار جيوش عربية اخرى. وتظل في جعبة الوثائق ما قد يحرج العديد من الانظمة، لكنها كذلك تبقى الوجه الخفي للحقيقة، ولطالما شعرت الشعوب بخفايا واسرار وراء احداث ظلت خلفياتها تحمل بعض او كثير من الغموض .