عرفت مصر الحياة النيابية مبكراً، ويعد البرلمان المصرى أقدم مؤسسة تشريعية فى العالم العربى الذى بدأ باسم مجلس شورى النواب عام 1866 فى عهد الخديوى اسماعيل، وغدا الاثنين الموافق 28 نوفمبر 2011 تبدأ المرحلة الأولى لانتخاب مجلس الشعب (البرلمان) فى ظل احتقان ثورى بين الثوار والسلطة الحاكمة، وتوتر بين القوى السياسية وبعضها البعض، بعض منها متسرع فى إجراء الانتخابات والبعض الآخر يطالب بالتريث حتى تستقر الأوضاع ويستتب الأمن الداخلى ويحكم بعد انفلاته. المتسرعون يعتمدون على جاهزيتهم واستعدادهم لخوض الانتخابات ويتهمون المعارضين للانتخابات بأنهم غير جاهزين وهذا ليس ذنبهم، ويتناسى الجاهزون جاهزيتهم واستعدادهم أيام حكم الطاغية المخلوع مبارك، وقت أن كانوا يخوضون الانتخابات ويعودون صفر اليدين فى نهاية الانتخابات، ولايحققون أى فوز إلا بعد الاتفاق وعقد صفقة مع نظام مبارك، وهذا أمر مثبت وموثق ولم ينكروه، واعترفوا بأنهم عقدوا صفقة عام 2005 للحصول على 100 مقعد وحصلوا على أقل من ذلك بقليل.. ونسوا أن الثوار غير الجاهزين هم الذين بدأوا الفعل الثورى قبل نزولهم، ولم ينزلوا إلا عندما تأكدوا أن نهاية مبارك حقيقة، وباتت وشيكة، وهم الذين أيدوا مبارك كما تظهرصورة على غلاف "مجلة المصور" لكبيرهم مرشدهم العام آنذاك الشيخ عاكف. ونسوا أن الثوار غير الجاهزين هم الذين حرروهم بفضل الله وعونه من أسر نظام مبارك وفكوا حظرهم وأفرجوا عنهم وأمنوهم من خوف ونسوا أن الثورة انحياز للأغلبية المهمشة وتمكينها من الحكم، وليس نزع السلطة من طرف غاصب بأيدى الثوار وتسليمها عن طريق وسيط إلى طرف جاهز، ولاتستقر الأوضاع إلا فى ظل تكافؤ الفرص، وانعدامها يخل بالمساواة وباستقرار الدولة. غداً تبدأ الانتخابات البرلمانية فى ظل أوضاع سيئة، وبرلمان - إن قدر الله له الانعقاد - سيكون منزوع الصلاحية، وهذا ماأكده المجلس العسكرى – لافض فوه - بأن الأغلبية البرلمانية لاتشكل الحكومة، وأضاف بالأمس أن البرلمان لا يسحب الثقة من الحكومة. إذن فما الهدف من برلمان منزوع الصلاحية؟ ولماذا العجلة فى الانتخاب من قبل المجلس العسكرى الحاكم و"جماعة البنا" التى جَرت خلفها الكثيرين ومنحتهم ماتيسر من فائض مقاعدها على قوائمها، وكأنها توزع الصدقات للمتسولين فى شهر رمضان. بالطبع أمرنا بحسن الظن ولايعلم النوايا إلا الله، ولايحاسب سبحانه إلا على الفعل السيء ويعفو عن سوء النية فى عدم ارتكاب الذنب، والتصرفات تفضح النوايا، وعندما نرى الثوار فى ميدان التحرير يصرون على تحقيق مطالب الثورة، ويُقتلون بأوامر المجلس العسكرى، وجماعة البنا تبتعد عن الانضمام للثوار الذين حرروهم من الخوف وجعلوهم يختالون كالطاووس، وتنضم قناتهم "مصر 25" إلى المجلس العسكرى وتعلق كاميراتها أغلب الوقت وتركزها على مظاهرة العباسية المدفوعة لتأييد حكومة العسكر ومجلس العسكر. ومن المعروف أن التأييد دائمًا للطرف الأضعف وصاحب الحق وليس للقوى صاحب السلطة، وتأييد القوى صاحب السلطة، يلقى بظلال الشبهة على المؤيدين ويضعهم فى خانة العملاء، أصحاب المصالح الذاتية على حساب الشعب، نفس الذين أيدوا مبارك هم الذين يلعبون نفس اللعبة.. تأييد علنى وتأييد خفى، ومهارة فى اللعب على كل الحبال، قد يكون منهم أبرياء مدفوعون بحب القوات المسلحة، ونحن جميعا نحب ونقدر القوات المسلحة، وطنطاوى وجماعته ليسوا هم القوات المسلحة، هم خانوا أمانة الثوار وهم قادة زائلون بحكم الموت أو سن التقاعد، أما المؤسسة العسكرية للقوات المسلحة المصرية فباقية أمد الدهر وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. لماذا الإصرار على انتخابات فى وطن انتهكت قواه ولم يسترد عافيته وسُرقت ثورته قبل أن تكتمل؟ فى حوار القاضى الجليل أحمد يحيى رئيس محكمة أمن الدولة مع المدذيعة منى سلمان فى "قناة الجزيرة مباشر مصر" مساء السبت 26/11/2011 ذكر أن كبار القضاة الذين أشرفوا على الانتخابات السابقة وفضحوا الزيف وتزوير الانتخابات فى عهد مبارك المخلوع لم يُدعوا للإشراف على هذه الانتخابات بالرغم من استعدادهم لها، وفى إشارة موحية منه أفصحت عن السبب وهو حرمان شيوخ القضاة من تيار الاستقلال بسبب مواقفهم السابقة، وكأن الزمن لم يتغير، وكأن الذى يحكمنا هو مبارك وليس مجلس ادعى انحيازه وشراكته للثورة، وكأن مبارك يعاقب ويستبعد القضاة الكبار الشرفاء، ويستعين بالشباب وهم شرفاء أيضا، وفى توضيحه عن اختيار الشباب أجاب إجابة مقتضبة وموحية تعنى ليسهل التأثير عليهم من رؤسائهم.. يا آلله.. مبارك مازال يحكمنا ويعاقبنا. التقت إرادتان جماعة البنا، وجماعة المشير، لإجراء الانتخابات المبكرة فى ظل انفلات أمنى على قتل الثورة فى ميادين التحرير ودفن جثتها فى قاعة مجلس الشعب، وتحويل الفعل الثورى لتحقيق مطالب الثورة من الميادين إلى قاعة البرلمان لمناقشته وإبداء الرأى فيه من قبل نواب كثير منها غير مؤمن بالثورة وضد الثورة، بعضها يعتبرها حركة إصلاحية وكفاها، وعليه استغلالها بحكم جاهزيته واستعداده، والبعض ضدها بحكم فساده ومصالحه الحقيرة. وبقتل الثورة واختيار نواب منهم مَن ليسوا فوق مستوى الشبهات وينتمون للحزب البائس المنحل، يصير النواب وكأنهم الممثلون الحقيقيون للثورة، النواب الذين منهم من أفسد الحياة السياسية وقامت الثورة ضدهم ودخلوا برلمان الثورة بأموالهم وبمعاونة جماعة المشير برفض تطبيق قانون الغدر لعزلهم من الحياة السياسية.. فهل يعقل أن يمثل الثورة عدوها ومن خان وطنه؟!!. وعند إعادة التظاهر لتحقيق مسيرة الثورة يتحول الثوار إلى بلطجية إذا خرجوا للميادين مطالبين بإنقاذ الثورة من أيادى الخونة والتيارات الانتهازية، وتحق عليهم لعنة القانون ويطبق عليهم قانون الطوارئ ويحاكمون عسكريًا فوراً وقد يُعدمون لأنهم يهددون الأمن العام والسلام الاجتماعى. قتل الثورة ودفنها بطريقة غير شرعية هذا ما اتفق عليه جماعتا "البنا والمشير"، ولجماعة المشير غرض آخر خفى يمكن استنتاجه من الممارسة فى إدارة البلاد ويتضح فى عرقلة مسيرة الثورة، ويتجلى فى ترك زمام الأمور الأمنية وانفلاتها على آخرها، ومحاولة تأمين الانتخابات ظاهريًا، وفى الانتخابات تحدث مشاكل فظيعة لاقدر الله، قد تكون مصحوبة بأنهار من الدم، وتعم الفوضى والبلطجة المقصودة بتحريض من السلطة، وهنا يمكن إلغاء الانتخابات والعودة إلى المربع صفر، ويكون المجلس الحاكم قد أرضى جماعة البنا بإجراء الانتخابات غير المكتملة فى موعدها وتبرأ من وزر تأخيرها، وانقض على الثورة وعلى البلد وأعلن الأحكام العرفية والتهمَ الجميع وشكل وزارة لاتخضع للمحاسبة وتدين له بالولاء وتبقى له ماشاء. وبعدها وكعادتها ستعلن الجماعة فى مؤتمر صحفى ماحدث وتبرر مشاركتها بأنها - كعادتها - أرادت أن تفضح ممارسة حليفها العسكرى من خلال الممارسة الفعلية فى الانتخابات وأنهم يحسنون الظن دائمًا بالناس على حد تعبير صديقى "د.عادل عبدالجواد" وأتمنى ألا يغضب منى فى عصر الديمقراطية، وهدف هام تسعى إليه الجماعة هو حصولها على الأغلبية لإخراس أى صوت معارض لها بادعاء أنهم أصحاب الأغلبية والشرعية، ومن يعارضهم يتهمونه بالالتفاف على رأى الشعب واختياراته كما ادعوا كذبًا على الدستور المزور من قبل حليفهم العسكرى عندما اعترضت القوى الوطنية وقالت إنه تم الاستفتاء على 8 مواد والمجلس أضاف 54 مادة بليل كمن يسرق من سلة "س" ليضع فى سلة "ص"، وفى النهاية نقول السرقة حلال لأن ما أضيف لم يضر بالمسروق منه.. يا سبحان الله.. حسبنا الله ونعم الوكيل. إذا أصرت التيارات المشاركة فى الانتخابات على خوض الانتخابات بعد تصريحات المجلس العسكرى بأنه برلمان منزوع الصلاحيات، فهذا يعنى أنها مجموعة تسعى للوجاهة الاجتماعية فى ظل نفس نظام مبارك الأسوأ بامتياز، وفى حالة الإصرار أقترح تغيير الاسم من "مجلس الشعب" إلى "مجلس الأعيان" فانتفاء صفته الخدمية وسيادة الشعب انتهت بنزع صلاحياته، واقتصر دوره على اللقاءات مع علية القوم فقط ، والأعيان عاطلون ووارثون للمال سواء بالوراثة أو بالسرقة.. لايهم، هم الذين يلتقون بعلية القوم من الحكام والملوك، ويستمدون قوتهم من قدرتهم على الانبطاح أمام الحكام، وتأدية أدوار مرسومة لهم من الحكام، وقيامهم بالوساطات المطلوبة. غدا سيندم كل من شارك فى برلمان منزوع الصلاحية، وساعتها لاينفع الندم ولا التبرير، فشروط الترشح للمجلس أن يكون بالغ الرشد وكامل الأهلية وليس قاصرًا ولامعتوهاً، وهو أدرى بالعواقب. وكل من شارك فى برلمان منزوع الصلاحية هو خائن لدماء الشهداء البسطاء الذين لم يعرف الشعب أسماءهم بينما نعرف أسماء المطبلين والراقصين على كل الحبال وفى كل الحلبات، أستغفر الله العظيم لى وليس لكم.