كان خبر استشهاد الطبيبة رانيا فؤاد وهي تباشر عملها في إنقاذ المصابين بشارع محمد محمود، بوابة لفتح سؤال مهم؛ هل على الأطباء الذين يمارسون مهنتهم النبيلة لإنقاذ البشر من الموت، أن يواجهوا هم أيضاً نفس الموت، رغم أنهم موجودين في ميدان التحرير بصفتهم المهنية، وليس لكونهم ينتمون لأي طرف من الأطراف المتصارعة على أول وآخر شارع محمد محمود؟ ولأن الإجابة فيما يبدو نعم، خاصة وأن ميدان التحرير والشوارع المتفرعة منه، تحولت بالفعل إلى جبهة قتال، كان لابد من إلقاء الضوء على المخاطر التي يتعرض لها الأطباء والمسعفون هناك. الدكتورة وداد محمد أكدت أن ثمانية أطباء تعرضوا السبت الماضي للإصابة بالغاز الذي يتم إلقاؤه على المتظاهرين، لكن تم إسعافهم، إضافة إلى وفاة ثلاثة أطباء وخطف أربعة من قبل رجال الأمن لمعالجة زملائهم الذين تم رشقهم بالحجارة من قبل المتظاهرين، أو ممن وقعوا تحت تأثير الغاز أيضاً، وتقول دكتورة وداد أيضاً: " تعرضنا إلي الضرب بالغاز في المستشفي الميداني بشارع محمد محمود لدرجة أن الأطباء المرابضين هناك كان كل منهم يفر إلي قلب الميدان وهو يحمل زميلا له ولم نستطع إنقاذ زميلتنا الشهيدة رانيا فؤاد فتوفيت من التأثر بالغاز الكثيف" . أثناء حديثي مع محمد إمام – الطبيب بمستشفي "كنتاكي " الميداني- حول الإصابات التي تعرض لها الأطباء كان هناك زميلان من إحدى الجرائد القومية يحاولان التحدث مع الأطباء، لكنهم رفضوا وسمعت طبيباً يتحدث منفعلا عندما علم أن زميلاً لهم سمح للتلفزيون المصري بإجراء حديث معهم. قال الدكتور محمد:" أصيب زميل لنا يدعي علاء محمد عبدالله بخرطوش في وجهه وصدره ، بالاضافة الي أن المستشفي الميداني بشارع محمد محمود تم ضربها بالقنابل المسيلة للدموع 3مرات خاصة في أحداث الأحد الماضي". وأضاف ضاحكا أن الشباب قاموا بابتكار رش مكون من المياه والخميرة لمعالجة المصابين من تأثيرات الغاز وصمموا أغطية بالسلك لحمايتهم من الرصاص المصوب علي الوجه والعين، كما أشار إلى الموتوسيكلات أو" الاسعاف الطائر" كما أطلقوا عليه والذي كان حلاً سريعا لنقل المصابين، لأن سيارات الإسعاف لا تستطيع الدخول إلي الأماكن الضيقة أو التي يتم إطلاق قنابل الغاز فيها، إضافة إلي الحرائق التي أشعلها المتظاهرون والتي كانت سببا في تقليل أثر الغاز وكل ذلك لم يحدث في أي دولة في العالم ومازال لديهم الجديد! وقال أمام أن الاطباء ليست لديهم أي رغبة في مغادرة المكان بالرغم من وجود أطباء لايزالون طلبة ولديهم امتحانات، وهو واحد منهم، فالجميع هنا تجمعهم روح الأخوة والترابط لدرجة إن الجميع يستطيع أن يضحي بنفسه لأجل بقاء حياة زميل له، ويتساءل قائلاً:" ثم إنه لو رحل الأطباء، فمن سينقذ المرضي والمصابين، خاصة إن أغلب الحالات التي تتم معالجتها هي حالات اختناق، ومن لا نستطيع التعامل معه نرسله للإسعاف فورا خشية أن تتدهور حالته أو يفقد حياته". النوم ممنوع ويقول يوسف أبوبكر- طبيب ومسئول عن مستشفي مجمع التحرير- أنه تم اصابته يوم الأحد الماضي هو وزميل له بقنابل الغاز، كما تم ضربه من قبل الأمن المركزي بالعصي وتكسير المستشفي التي كان يعمل بها وسرقة الأدوية الموجودة داخل المستشفي، وأضاف أن الأطباء لا ينامون إلا نادراً فهو علي حد قوله لم ينم منذ 6 أيام بسبب أعداد المصابين التي تتوافد اليهم، ويذكر أنه بالأمس كان يقوم بعمله علي 3 أفراد في وقت واحد لأن كل ثانية تمر هي فارقة في عمر اي انسان .. وقال طبيب – بمستشفي عمر مكرم الميدانية-"رفض ذكر اسمه" – إنه تم قتل 3 أطباء علي يد قوات الأمن بسبب العنف المفرط الذي يستخدمونه فهم لا يفرقون بين طبيب ولا متظاهر ولا حتي أطفال، فأول من أمس تم قتل رانيا فؤاد- الطبيبة بمستشفي محمد محمود الميداني – بسبب قنابل الغاز الذي تم القاؤها داخل المستشفي وبالرغم من محاولة الأطباء انقاذها الا ان محاولتهم باءت بالفشل، بالاضافة الي الزميل محمد سامي والذي قتل في هذه الاحداث وترددت انباء عن ان جثته قد اختفت ولا نعلم هل هذه حقيقة أم انها مزاعم وزميل آخر قتل أيضاً. واضاف المصدر – انه توجد الآن 10مستشفيات منها واحدة تابعة للهلال الأحمر ويوجد كل التخصصات وأكثر التخصصات الطبية ضغطا هي الرمد والعظام و الصدر خاصة وأن حالات التشنجات التي تحدث غير عادية وتوجد شواهد كثيرة تؤكد أن الغازات التي تلقي ليست قنابل مسيلة للدموع فحسب ولكنها غازات أعصاب ويتم تكثيف الضرب يوما بعد يوم من أجل إخلاء الميدان، يوم الأربعاء الماضي كانت هناك طلقات لصواريخ قنابل غازات حارقة تم القاءها من مسافة 600-700 متر، إضافة إلي أنه تم إلقاء قنبلة داخل سيارة الاسعاف اثناء تواجدها بشارع محمد محمود لإنقاذ احدي الحالات المصابة والاعتداء علي من فيها وعلي الاطباء، لكننا والحمد لله لدينا القدرة علي التكيف مع هذا الوضع، فقد حصلنا علي تدريبات ميدانية في جمعية أطباء بلا حدود وقد دربونا علي عمل المستشفيات الميدانية خاصة في أحداث 25 يناير، فلدينا خبرة في التعامل في ظل الأحداث وكيف نقوم بتأمين أنفسنا ونقوم بعمل ورديات" شفتات" للأطباء وتوزيع المهام فعملنا يحتاج السرعة والدقة في نفس الوقت ونريد وجه الله فيما نقوم به حتي لو جاءنا أحد ممن يقذفونا بالرصاص الحي والخرطوش و قنابل الغاز ولا نريد حتي الثناء او الشكر ولدينا فائض من الأدوية والاحتياجات الطبية وسوف نرسلها الي سوريا وليبيا فالشعب المصري معطاء ويظهر معدنه في الأزمات. وحشية وذكر أحمد عصر- طالب بكلية الحقوق جامعة القاهرة وأحد المتطوعين في المستشفيات الميدانية –أنه كان يقوم بمساعدة المصابين وإدخالهم إلي المستشفي الميداني أثناء وفاة الطبيبة رانيا فؤاد التي كانت بداخل المستشفي الميداني بشارع محمد محمود وتقوم بعملها في انقاذ الشباب المصاب وتم القاء قنبلة علي المستشفي وسمع من احد الاطباء يقول وهو منهار " الدكتورة رانيا بتموت ..الدكتورة بتموت.." وهو لا يعرف كيف ينقذها ! وأضاف عصر انه بسبب كثرة الضرب في المستشفيات وانتشار الغاز المسيل لم يستطع أحد من أطباء الجراحة ان يقوموا باجراء العمليات الجراحية لأن هذا العمل يتعلق بالتركيز والإدراك ، والغاز يصيب الانسان بحالة من اللا وعي والتشويش حتي وان تم رش مستحضر الخميرة، مضيفاً ان الامن يتعامل مع الجميع بالوحشية والهمجية سواء كان في مواجهة الاطباء او المتظاهرين ويختتم كلماته قائلا :الممارسات الدموية ستؤدي الي تعلية سقف المطالب ولا تخدم التهدئة وهذا مناقض لما يقولونه من احترام الثورة والثوار.