يتيه علينا المجلس العسكري وأبواقه الإعلامية بأن الجيش حمى الثورة.. بأن قواتنا المسلحة لم تفعل بنا مثل ميليشيات الأسد والقذافى، أو حتى الشاويش على صالح.. ومن هذا المنطق المعكوس والحسابات المغلوطة استمد "العسكر" شرعية الحكم باسم الثورة، استباحوا دم الشهداء.. و استولوا على "نور عيون" الضحايا والمصابين، بل وشربوا دم الشباب الذي أريق في ميادين مصر طوال 18 يومًا مجيدة انتهت – كما خططوا - بإزاحة مبارك في 11 فبراير لتتبدل الأقنعة ويحكمنا 11 مبارك. كأن الشعوب تشكل جيوشها لتكون آلة قمع يستعملها الطغاة لضرب هذه الشعوب وقتل أبنائها!!. إن الجيوش يا سادة إنما هي لحماية حدود الأوطان.. درع للبسطاء يحمى نتاج عرقهم من أى اعتداء أوطمع خارجي وما عدا ذلك فهو الفعل الشاذ الذي يجب تقويمه، ولو بالبتر. وإلاّ يجب علينا تكريم كل مصري لم يحمل سلاحًا و يخرج به على الحاكم وإن كان ظالمًا مثل خالد الإسلامبولى. و يجب علينا تكريم كل فتاة لم تستعمل "العرى" وسيلةً للشهرة أو رفض الموروث أو حتى إعلان التمرد مثل علياء المهدي بل يجب علينا الاحتفاء بكل مواطن لم يقتل أو يسرق أو يرتشِ أو يغتصب طفلاً في ظل الانفلات الأمني المفروض علينا.. أليس هذا هو ما حدث مع المجلس العسكري؟ هل لأنه لم يرتكب الفعل "الشاذ" بضرب الشعب سمى ب"حامى الثورة" و أزاح مبارك من على الكرسي ليجلس مكانه مبارك أخر ب11 وجهاً؟!.. هل كان الأمر يحتاج إلى عشرات الشهداء ومئات المصابين لنرى من خلال سحب الغاز خطة سرقة الثورة التي كانت أولى مراحلها بيان التنازل الذي ألقاه علينا عمر سليمان ب "تنازل مبارك" لنغرق في نشوة نصر واهم، تؤهلنا لتقبل المزيد من التسليم لملائكة العسكر وكأننا مخدرون ؟! أولى جرعات التخدير، لواء بالملابس العسكرية يلقى بيانًا رسميًا فيتوقف ليؤدى التحية العسكرية لشهداء الثورة.. وحكومة شرف – الذي جاء من ميدان التحرير- يخصص غرفة في مجلس الوزراء لشباب الثورة ليستطلع أراءهم فيما يصدره من قرارات لتسيير شئون البلاد!. و في الخلفية وبعد التأكد من خطة استيعاب الثورة وتخدير الشعب تجرى عملية تقسيم الثوار بمعارك "دون كيشوتية" توجت باستفتاء 19 مارس الذي نجح بامتياز فى شق صف الثورة وتفريق دمائها بين التيارات والأطياف السياسية. وهنا بدأت العودة لنغمة الحفاظ على الاستقرار الذي لايتحقق إلا بتوقف الاعتصامات الاجتماعية والفئوية حتى يتمكن ولاة الأمور من تحقيق التنمية والرفاهية لأفراد الشعب، وصاحب ذلك تصريحات – لم يتحقق أغلبها – عن زيادة أجور وتغيير قيادات فاسدة وغيرها من الإجراءات التي تخاطب مشاعر الجماهير وتزيد من جرعات التخدير، وطبعا كل هذا مقرون بالتوقف عن الاحتجاجات الشعبية والعودة فوراً إلى الحظيرة.. عفوا أقصد العودة للهدوء وترك مقدرات البلد لمن يفهم فيها.. لتبدأ بعد ذلك المرحلة الأهم وهى استعداء المصريين على الثورة وشبابها بمسرحيات من نوعية أحداث مسرح البالون، والاعتداء على مديرية أمن الجيزة، والسفارة السعودية،... وغيرها من الأحداث التي ُتنفر الشعب من الأفعال الثورية أو الاحتجاجية. تمهيداً إلى الوصول إلى مرحلة اصطياد شباب الثورة، بل وكل من يرفع صوته بتهم ملفقة تقدمهم لمحاكم عسكرية.. فاتهموا الشباب بتلقى أموال من الخارج.. و حاكموا علاء عبد الفتاح.. وأغلقوا قناة "الجزيرة" وصادروا صحف "روزا ليوسف" و "الفجر" و "صوت الأمة" استنادا إلى انتهاء تعاطف الشعب مع الثورة التي لم تحقق له أى شئ، بل زادت حياته صعوبة وأصبح غير آمن على نفسه وبيته.. هكذا خططوا.. و هكذا تصوروا . الأمر واضح رغم كثافة قنابل الغاز وخطط الاستيلاء على الثورة التي نُفِّذَت حسب المخطط.. كما هو واضح أيضا أن مسئولية قتل الشهداء في الأيام الثلاثة الأخيرة تقع بالكامل على المجلس العسكري ونتذكر هنا محاكمة مبارك وسدنة حكمه بتهمة قتل المتظاهرين فى 25 يناير، فمبارك لم يطلق بنفسه الرصاص على الشهداء ولا المشير أيضا.. و العادلى قال في المحكمة "إنه ليس من سلطة وزير الداخلية الأمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين"، و الأمر نفسه ينطبق على العيسوي أيضا. ولذلك انتهت شرعية المجلس العسكري التى بنيت فى الأصل على منطق معكوس وتظهر الآن إرادة الشعب المصري التي تهتف فى كل ميادين التحرير بمحافظات مصر: يسقط يسقط حكم العسكر