في 16 نوفمبر 2008.. رحل عنا صلاح الدين حافظ، أحد أعظم رجال بلاط صاحبة الجلالة من وجهة نظري، لما له من رصيد محترم على المستويين الشخصي والمهني، فلقد كان منذ صغره عبقريًا بمعنى الكلمة، متفوقًا في شتى مجالات الحياة رغم وفاة أمه منذ نعومة أظافره، إلا أن دفء أسرته، عوضه عن كافة احتياجاته ووفر له المناخ المناسب، حتى اشتد عوده وأصبح بحق فارسًا.. يمثل الراحل أحد الركائز والأعمدة الأساسية في حياتي، فقد سعيت أن أكون واحدًا من تلاميذه، نصبته رمزًا وإمامًا لي، حاولت أن أقلده وأن أسير على دربه بكل ما أوتيت من قوة، فلقد كان إعجابي بشخصه وشخصيته وإدارته لكل مناحي حياته، أمرًا غير قابل للمناقشة.. منذ ثلاث سنوات وبالتحديد يوم وفاة أستاذي وعمى.. كتبت الكلمات التالية بعد ساعات من علمي بنبأ فراقه، حيث حاولت أن أستغل الساعات العصيبة قبل موعد إقلاع طائرتي من دبي إلى القاهرة لأتلقى فيه واجب العزاء، لأكتب أحاسيسي بعفوية ومن دون ترتيب ومن وقتها وهى حبيسة درج مكتبي، كلما اشتقت إليه، أسرع لقراءتها.. يومها كتبت: صلاح الدين حافظ.. مات شامخًا وعاش فارسًا رفض الاستسلام بكل معانيه، ظل أبيًا كالجبل، واجه مرضه اللعين بنفس القسوة التي كان يعلنها في مواقفه السياسية، دون خوف أو تردد. كان حافظ بحق آخر الرجال المحترمين، فكان له وجه واحد، طيب وصارم، حنون وقاس.. لم أقابل في حياتي رجلاً بهذه الصفات، رغم ويلات المرض اللعين التي واجهها لم أشك لحظة أنه سيتركنا في يوم من الأيام مثل باقي البشر، فلم أتخيل الدنيا من بعده، كنت جاهزًا لتلقى أي خبر، مهما كان، إلا نبأ وفاته.. تركتني يا أعظم الناس تركتني يا أستاذي ومعلمى وأبى وعمى بعدما غرست في نفسي معاني الفخر والعزة التي علمتها لي منذ أن كنت صبيًا على باب الصحافة.
لن أنسى أبدًا عندما قلت لي بالحرف الواحد "إنني أرى شبابي فيك" وقتها ضحكت من فرط سعادتي وبكيت من هول المعنى.
رحلت يا عمى وتركتني وحيدًا في الدنيا.. رحلت بمفردك كالنسمة.. لم يشعر بمرضك أحد، ولا بحزنك أحد، لم تشك لأحد ما تعانيه، ما أعظمك أيها الرجل، مثلك لن يتكرر، اسمك ما زال يرن في أذني، رائحتك لا تزال في أنفى. هيبتك ستظل راسخة في ذهن كل من عرفك.
هل ستموت حقا كما مات السابقون؟ هل ستشرق علينا شمسًا جديدًا وننساك كما نسينا نحن أنفسنا؟ هل ستصبح ذكرى مجرد ذكرى.. ما أسوأ حالنا لو تحولت في لحظة إلى مجرد اسم عابر وذكرى بطل.
ماذا تركت يا عمى؟ لم تترك مالاً ولا قصورًا مثل غيرك، فلم تشغلك الحياة الزائفة، لكنك تركت لنا كنزًا لا يضاهيه شيء هو الشرف والسمعة والنزاهة والكرامة واحترام الذات والدفاع عن الحق حتى ولو على حساب مصلحتك.
كنت لي سندي وعزوتي وأهلي وحاضري ومستقبلي وستظل إمامي ومثلى الأعلى لأنك ستبقى حيًا في عيني وعقلي.
منذ قرابة عشر سنوات ودعت أخي الأكبر محمد ومنذ ستة شهور رحل عنا ابنك الوحيد إيهاب واليوم تركتنا من دون عودة رافضًا البقاء في دنيانا راجيًا الحياة برفقة أحبابك المخلصين.
اعتقد أن قلبي تعود على الأحزان ومات بداخله الإحساس بعدما رحل كل الأحباب، ما أصعب الحياة من دونك، وإن دامت ستكون بلا معنى. ....... وداعًا يا أعظم الناس.. ............... [email protected]