تطور جديد بشأن حماية المسنين والقومي لحقوق الإنسان يعلق    خطيب الجمعة الأخيرة من شوال: يكفي الأمين شرفًا أن شهد له الرسول بكمال الإيمان    تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية بالأسواق اليوم    وزير التنمية المحلية: بدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء 7 مايو    المجتمعات العمرانية: تكثيف العمل للانتهاء من تطوير المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نائب وزيرة التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    استلام 90 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    الشرطة الفرنسية تقتحم جامعة سيانس بو في باريس لتفريق داعمي فلسطين    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 140 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ 7 أكتوبر    كلوب يفتح النار قبل رحيله: بإمكان الناس البقاء على قيد الحياة بدون مباريات من وقت لآخر    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    ضبط سيدة في بني سويف بتهمة النصب على مواطنين    تحرير 2582 محضراً في حملات تفتيشية ورقابية على الأنشطة التجارية بالشرقية    3.8 مليون جنيه إيرادات 4 أفلام بالسينما في يوم واحد    اليوم.. الإعلامي جابر القرموطي يقدم حلقة خاصة من معرض أبوظبي للكتاب على cbc    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    هيئة الدواء تكشف طرق علاج قصور القلب، وهذه أهم أسبابه    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب بجنوب سيناء    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    زيادة جديدة ب عيار 21 الآن.. ارتفاع سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 في مصر    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    البابا تواضروس يترأس صلاة الجمعة العظيمة    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    خطوات التقديم على 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    مدير مكتبة الإسكندرية: العالم يعيش أزمة أخلاق والدليل أحداث غزة (صور)    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    لإنقاذ حياة المرضى والمصابين.. أمن بورسعيد ينظم حملة للتبرع بالدم    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه الآخر للراحل أنيس منصور .. عاشق الساحرة المستديرة
نشر في المشهد يوم 23 - 10 - 2011

* شعر بالندم على السنوات التى مضت دون الجلوس فى المدرجات يصرخ ويصفق ويهتف
* من غير المعقول ان يموت "العقاد" جوعا .. ونحمد الله أن "توفيق الحكيم" مات قبل أن يرى الملايين تتدفق على اللاعبين!
* اعتبر ميمى الشربينى يصلح رساما أو كاتباً .. لكنه ظل يثير غضب أنيس كلما منح "المفاعيص" ألقاباً مجانية
"لم يعرف عن كاتب عظيم مثل انيس منصور حباً لكرة القدم ولا عشقاً للاعبيها حتى أنه لا يعرف اسم لاعب واحد فى أى فريق".
قد تكون تلك العبارة نصف الحقيقة ، لكنها ليست الحقيقة ، ومن يقول غير ذلك فمن المؤكد أنه لا يتابع كتابات "أنيس منصور" متابعة تليق بها وبحجم وقيمة كاتبها ،بل إننا نظلم كاتبنا الكبير إن اعتقدنا أنه لا يحب الكرة ولا يهتم بها ، فالكرة بجنونها وسحرها وقوانينها وفنونها وشعبيتها الجارفة وأموالها المتدفقة تسكن كلماته .. تفرض نفسها عليه فيخضع لها طائعا ، بل إنه أحياناً يلجا إليها ليصف أعقد حالات الفوضى السياسية .
وعلاقة أنيس منصور بالساحرة المستديرة مثل علاقته بأشياء كثيرة لا يستطيع الوقوع فى غرامها فتتحكم فى عقله وتسيطر على تصرفاته، ويعجزعن كراهيتها فيفقد الكثير من المعرفة بثقافات الشعوب وهواياتهم وتأثير اللعبة على مصائرهم .
وتلك عادة الفلاسفة ، فكل الأشياء مهما كانت ضخمة أو هينة تستحق التأمل ،ونحن فى حضرة إمام المتأملين وأكثرهم وعياً وثقافة وغزارة فى المعلومات .،فهل يمكن لمتأمل عظيم أن يتجاهل شعبية تلك اللعبة وسيطرتها على الكثير من مناحى الحياة ؟!
الحقيقة أن كاتبنا الكبير تعامل مع كرة القدم باعتبارها مقياساً ومعياراً لكثير مما يدور حولنا فى عالم السياسة الصاخب ،وعالم الحب الصاخب أيضاً ، حتى فى مقولاته الساخرة الجميلة التى يلخص فيها عصارة فكره وثقافتة ووعيه وخبراته بالبشر نجده يحشر كرة القدم
حتى بين الزوجين: "أن يكون لك طفل فأنت أب, أن يكون لك أكثر فأنت حكم فى مباراة فاشلة "، "الحب: مباراة يلعبها اثنان ويخسرها أثنان أيضا!".
--------------
التاريخ الذى صنعه أنيس منصور لنفسه باعتباره أهم كاتب عمود يومى على الاطلاق يمتلك سحر اللغة وفيض المعلومات وخفة الظل ،لم يمنعه من البحث لنفسه عن رياضة يمارسها ،وقد لعب الكرة فى الصغر ، وتركها دون ندم ، وعندما كبر بحث لنفسه عن رياضة يمارسها فاختار "الشطرنج "، وحاول أن يتقدم فيها ولم يستطع :" وكنت إذا لعبت مع أطفال الأسرة يغلبوننى، واشتريت كتبا ودرست وبرعت فى فتح اللعب بالحصان والطابية, ولا اكاد أصل إلى منتصف رقعة الشطرنج حتى يسهل حصارى وكش الملك! ".
وفى مرحلة متأخرة اكتشف أنيس منصور إن المتعة الحقيقية هى كرة القدم ، فجماهيرها متألقة طول الوقت وتشعر بالبهجة والفرحة ، وكتب مقاله الرائع:"العب العب ليطول عمرك " وقال الكاتب الكبير المعجون بالفكاهة والحنكة والدهاء والموهبة والذى وثق فيه السادات وجعله بمثابة وزير خارجيته الخاص وحامل رسائله إلى العالم : " مسكين كل إنسان لا يحب كرة القدم..هذا اقتناعى أخيراً.. إننى أندم اليوم على كل السنوات التى مضت من دون أن أضيعها فى الجلوس فى الملاعب أو في المدرجات أصرخ وأصفق وأهتف للكرة تنطلق يمينا وشمالا.. تهز الشبكة أو تهز الثلاث خشبات.....عندما تكون هناك مباراة، يسبقها الكلام والاستعداد النفسى والانتقال إلى الملاعب فى السيارات والاتوبيسات.. ثم الانتظار ساعات فى الملاعب.. حيث الهواء منعش والشمس مشرقة.. والضحك لسبب ولغير سبب وحيث يسحب كل واحد احتياطيه من القوة والحماس ويضعه في عينيه وأذنيه ويديه .. وفى نفس الوقت يشرب ويأكل ويضحك ويرتفع صدره ويمتلىء بالصحة والعافية..لقد تحول كل إنسان إلى كائن حى شاب منتعش.. وتمضى الساعات وهو يصرخ ويصفق.. ويغضب ويقف ليجلس ويتحول من دون قصد، أو بقصد إلى طفل صغير. كم ساعة مضت من كل يوم ساعات وأيام وشهور وسنوات وهو فى غاية الحيوية والنشاط.. جسمه قد نفض كل متاعبه، وعقله قد طرد كل الهموم وسقط عنه كل شىء كأنه تراب أو هباب وأصبح مغسولا نظيفا نقيا ثم إن كل مناقشاته ومنازعاته وخلافاته تمثيل فى تمثيل.. لأن الرياضة لا تعرف الكراهية والحقد وأرجوك بعد ذلك ان تنظر إلى وجوه السياسيين والكتاب: انت لا ترى عليها إلا الهم والغم الذي يطيل ألسنتهم وأقلامهم ويقصف أعمارهم. فأقصر الناس عمراً اكثر الناس هماً، وأطولهم عمراً اكثرهم لعباً أو تفرجاً على اللاعبين. ثم إنها أى هذه الدنيا لا تساوى شيئاً.. اسمعها منى وعلقها فى أذنيك.. وسوف تنساها ولكن عندما تتمدد أمام الطبيب سوف تحسد مجانين كرة القدم". .
وعلى هذا النحو سارت علاقة الفيلسوف والكاتب الوجودى الأكثر حبا وعشقا للحياة مع كرة القدم ، يغازلها ويحبها أحياناً ، ويسبها ويلعنها أحيانا أخرى، ويهرب منها فى أحيان كثيرة، وقد هرب بالفعل من مشاهدة مباراة مصر مع انجلترا فى نهائيات كاس العالم 1990 وذهب لمشاهدة عرض للازياء!!.
وقد لعنها ونقم عليها متعجبا ومندهشا من الملايين التى تتدفق على هؤلاء اللاعبين بينما يموت الأدباء الكبار من الجوع !، وهى قضية قديمة شغلت كثير من المثقفين والمفكرين ،فقد كان ان أستاذنا توفيق الحكيم يندهش كيف أن لاعب كرة القدم يكسب الملايين فى سنة وسنتين.. ويظل كل الأدباء يموتون ولا يكسبون في مائة سنة ما يكسبه لاعب بحذائه فى مباراة واحدة!!.
ولذلك مات توفيق الحكيم وبقيت قولته الشهيرة: انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم ، مع إن الذى رآه توفيق الحكيم وأوغر صدره على الذين يكسبون بالحذاء لم يكن إلا مبلغاً تافهاً، مقارنة بملايين الدولارات التى يكسبها اللاعب حاليا ، ولو علم توفيق الحكيم بكل هذا كما يقول أنيس لعجلوا بوفاته.. ونحمد الله أنه لم يعلم بكل ذلك ، وأستاذنا العقاد والمفكر العربى البديع أبو حيان التوحيدى كلاهما عاش فقيراًُ ومات كذلك، وللعقاد رسائل يتسول من أصدقائه أن يساعدوه على لقمة العيش.. وأبو حيان يطلب من الأمير: سيدى أذلنى بعطفك.. قتلنى الجوع فلا تقتلنى بالصمت".!
وقد اختتم أنيس هذا المقال بعبارة تجعلك تخلع القبعة ليس فقط للموهبة ولكن للثقة ،وللقدرة على التعامل مع تلك الأمور بسهولة ودون شعور بالغبن، وكانه يهون الأمر على العقاد :" إنها سلعة يا أستاذ. إنها بضاعة.. سلعتك وبضاعتنا. وسلعتنا وبضاعتها المطلوبة المرغوبة.. وسلعتنا الكاسدة".

بيكام وبيليه
يرى صاحب 200 يوم حول العالم والذى طاف مدن وقرى وعواصم العالم أن كرة القدم أصبحت قوة اقتصادية ،وأن البرازيل صنعت من أولاد الشوارع ثروة قومية ، وأنه مطلوب منا جميعا البحث عن مواهبنا وتشجيع لعب الكرة :" شوارع أمريكا اللاتينية مخصصة لكرة القدم, ففى البرازيل وحدها عشرة ملايين طفل يلعبون فى الشوارع, وإذا أراد أحد الأندية أن يبحث عن جوهرة سوداء ارتاد الشوارع ،وفى العام الماضى, توقف بيليه الجوهرة السوداء فى أحد الشوارع يتفرج علي طفل يلعب, هذا الطفل يذكره بشبابه, فحمله فى السيارة هو وأبواه إلي أحد الملاعب الكبرى, وتعاقد الأب مع النادى, وانضم الطفل الموهوب إلي أطفال آخرين فى النادي يحتضنهم ويربيهم ويطعمهم ويسقيهم ويتعاقد من أجلهم مع أندية أوروبية تشترى هذه المواهب بعد سنوات. فكل نجوم كرة القدم اللاتينية أولاد شوارع ويشرفهم ذلك".
وينصح الآباء بعدم القلق على مستقبل الأبناء ووجه إليهم نصيحة بعد أن قرأ فى صحيفة التايمز البريطانية موضوعاً يقول: لا تشغل بالك كثيراً بمستقبل أولادك.. لا تضرب ولا توجع دماغك وقلبك.. المستقبل المضمون هو أن يعمل أولادك فى مناجم الحديد أو صناعة الصلب فأغنى أغنياء بريطانيا رجل هندى صناعته استخراج الحديد وبيعه صلباً. أما النصيحة الثانية فهى أن تترك أولادك يلعبون كرة القدم فاللاعب بيكهام من أثرياء بريطانيا وهناك غيره لاعبون تجاوز عددهم 25 لديهم أموال فى البنوك تتراوح بين 15 مليوناً و40 مليوناً..! ، ولبيكهام قصة مع انيس منصور ،ففى صيف عام 1998 ،علقت إحدى الكنائس الإنجليزية لافتة على بابها مكتوب عليها: "الرب يسامح الجميع .. حتى ديفيد بيكهام." أما سبب ذلك التعليق الغريب فكان ما اقترفه نجم إنجلترا المدلل فى حق فريقه فى نهائيات كأس العالم فى ذلك العام بفرنسا عندما تعرض للطرد فى مباراة إنجلترا أمام الأرجنتين فى الدور الثانى مما أدى إلى تأثر المنتخب الإنجليزى الذى خسر اللقاء بركلات الترجيح من نقطة الجزاء بعد أن كان متقدما بهدفين مقابل هدف واحد.
وعلى الرغم من أن بيكهام لم يكن يستحق الطرد وفقا لآراء العديد من متابعى الكرة ، فإن خروج المنتخب الإنجليزى من البطولة كان كافيا لجعل البعض من أنصار المنتخب المتعصبين يطالبون بحرمان نجم مانشستر يونايتد من التمثيل الدولى مدى الحياة، ولكن كل هذا تغير بين عشية وضحاها عقب إصابة بيكهام ، حيث تحول إلى نجم شعبى فى إنجلترا والعالم ، وحزن أنصار الساحرة المستديرة فى العالم كله بعد إصابته فى مباراة مانشستر يونايتد أمام ديبورتيفو لاكورونا الأسبانى فى قبل نهائى بطولة دورى أبطال أوروبا، وكانت الإصابة تهدد بعدم مشاركة النجم الكبير فى نهائيات كاس العالم ولتعجيل شفائه ، أقام الأطباء خيمة طبية لبيكهام فى منزله ذات مواصفات خاصة وكتب عنها أنيس: " الخيمة ثمنها ستة آلاف جنيه استرلينى, ولها موتور, هذا الموتور مهمته أن يدخل الهواء, وقد أنقص الأوكسجين من21% إلي15% تمام كالهواء الذى يشمه الناس على أرتفاع 15 ألف قدم, ونقص الأوكسجين له حكمة, وهو أنه يجعل الجسم ينشط فى إنتاج كريات الدم الحمراء التى تنقل الأوكسجين إلى العضلات, وبذلك تعجل بشفاء اللاعب الكبير.".
وكتب انيس منصور عن المعلق الشهير "ميمى الشربينى" عبارات مدح تستحق من المعلق الشهير أن يعلقها على صدره :"انظر إلى حالنا فى كرة القدم, استمع إلى المعلقين, واختار من بينهم الكابتن ميمى الشربينى, فمن المؤكد أنه أخطأ طريقه إلى الملاعب, وكان من الممكن أن يكون كاتبا أو رساما, فعنده تعبيرات مبتكرة وكثيرة, وهو يخترعها فورا..".
ومع ذلك لم يسلم "الشربينى" من غمز ولمز كاتبنا الكبير خاصة وهو يمنح اللاعبين الألقاب ،وهذا الامر أثار غيظ أنيس منصور فكتب : " ..نحن فى زمن يقال فيه للاعب الكرة: يابطل, ياعبقرى, ياللى ماحصلتش ياللى ماجبتوش ولادة, ياعظيم, وربنا يخليك لمصر كلها...،إذن فهؤلاء الدراويش من المعلقين الرياضيين قد جعلوا معانى البطولة والعظمة والعبقرية كرات يضربونها بالجزمة كل يوم فى وجوه وآذان الناس, لا هم تعبوا ولا الناس اعترضوا, والمثل يقول: كل شىء عند العرب: صابون.. رغاوى.. فقاقيع! ،يعنى هؤلاء اللاعبون المفاعيص لهم كل صفات الاسكندر وصلاح الدين ونابليون وتشرشل وكل عظمة شكسبير وشوقى والعقاد وطه حسين والحكيم وعبد الوهاب،ولابد أنك سمعت المعلق الشربينى وأدهشك كيف لا يخجل مما يقول ..".
ويلجأ صاحب "أرواح واشباح" إلى الساحرة المستديرة ليستشهد بها كلما زادت الفوضى السياسية ، فالامر اصبح بلا رابط ولاقانون ، فيرسم صورة كاريكاتورية رائعة .."لم نعد في حاجة إلي حكم أو صفارة ولا حاجة لنا إلى العلامات علي الأرض.. ولا أن يجلس الجمهور فى مكان بعيد عن اللاعبين.. وإنما نزل اللاعبون إلي أرض الملعب وجلس اللاعبون في مقاعد المتفرجين وتعددت الصفافير وتعدد الحكام..ولم نعد نعرف من الذي يلعب مع من, ومن الذي يتفرج علي من.. ولا أين هو القانون الفاصل بين الحق والباطل والغالب والمغلوب. فقد أصبحت رؤوس اللاعبين هي كرات نضربها ونشوطها ونلقي بها خارج الملعب.. ".
هل رأيت خفة دم أروع من تلك التى وصف بها أنيس واقعا مؤلما ومتجهما ؟!
كرة القدم عند أنيس منصور عالم متكامل ،ليست مجرد كرة تتقاذفها الأقدام فتطيش واحدة وتسكن الأخرى الشباك ، بل هى :" لذة شعبية, ومزاج قومى.. ففى كرة القدم كل ما يريد الإنسان: أن يكون له رأى وأن يقف إلى جوار الذين يؤيدونه فى الرأي.. وأن يتعصب وأن ينافس الآخرين.. وأن ينتصر عليهم.. وأن يهرب من التعب والإرهاق فى العمل أو فى الفكر إلى حمام بخار اسمه: ملاعب كرة ،وفى السنوات الأخيرة ظهرت نظريات فى تفسير جنون كرة القدم.. الذي يشغل الشباب عن اللذات الرفيعة كالأدب والموسيقي والفن.. ورأى علماء آخرون أنه لولا كرة القدم, لغرقت الكرة الأرضية فى الحروب والصراعات الجنسية واللونية والعنصرية والدينية..".
من هنا يشتاظ "انيس منصور"غيظا من اللاعبين الكسالى الذين لا يعرفون حجم النعيم الذى يعيشون فيه ويشتاط غيظا من اللاعبين الذين يهرعون نحو حكم المباراة عقب هزيمتهم ليحملوه نتيجة تراخيهم وعجزهم .
وفى مباريات منتخبنا الوطنى التى يسميها كاتبنا الكبير "المباريات الكبرى" نجده يكتب عن الكرة كما لو كان ناقداً رياضياً كبيراً ، فعقب هزيمة منتخبنا أمام منتخب تونس فى إحدى المباريات ، قال أنيس إن غياب الروح والشعور المسبق بالهزيمة وراء النتيجة :" وقد شكا معلق التليفزيون من أن الجمهور نائم وكأنه ليس موجودا.. أو كأنه قد أحس بالنتيجة قبل وقوعها.. وأذكر حادثة تاريخية عندما جاء بيليه وفريقه إلي مصر وشكا اللاعبون والنقاد من أن الشعب المصري قد عبئ تماما لقبول هزيمة بيليه. وفي الوقت نفسه تحطمت معنويات اللاعبين المصريين قبل المباراة أي انهزموا قبل أن يلعبوا.." ، وقال إن لدينا عيوبا يجب اصلاحها :" اللاعب المصري ثقيل الوزن بطيء الخطي قصير النفس. أي أنه من ناحية اللياقة ليس لائقا. وهذه القضية يجب أن تشغل بال خبراء الكرة ومديريها ومدربيها. أما الفريق التونسي فأكثر حيوية وشبابا وثقة بالنفس..".
وبالتالى راح انيس منصور ومثل كبار النقاد يقول انه علينا أن نتقبل الهزيمة حتى وإن كانت ثقيلة :" لا أطالب ولا يملك أحد أن نأتى بلاعبين جدد. وإنما فقط ألفت النظر إلى أن الرياضة: هات مكسبا وخد خسارة.. كالكرة مرة هنا.. ومرة هناك.. ومرة فى الشبكة.. ومرة فى العارضة ومرة فى الآوت.. طبيعى، ولذلك يجب قبول الهزيمة الثقيلة بروح رياضية إن بقيت هناك روح والله أعلم! "
وأنيس منصور قامة كبيرة نفخر بها ،ويصعب تلخيص شخصيته وعبقريته فى سطور ، فقد حصل على عشرات الجوائز والألقاب أهمها بالنسبة له لقب أحسن كاتب مقال يومى الأول فى الأربعين عاما ماضية، وهو الكاتب الموسوعى وصديق الرؤساء والزعماء الذى يمتلك كنز معلومات فى السياسة والتاريخ والنساء والطبيخ أيضاً ،أصدر 200 كتاب وأعيد طبع كتابه 200 حول العالم أكثر 40 مرة ، وحازت أعماله شهرة واسعة ونذكر منها : " االكبار يضحكون أيضا،الذين هبطوا من السماء ،الذين عادوا إلى السماء، فى صالون العقاد كانت لنا أيام ،الوجودية ،، أرواح وأشباح ، أعجب الرحلات في التاريخ ، لعنة الفراعنة ،عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا ،مذكرات شاب غاضب ،مذكرات شابة غاضبة ،الخالدون مائة أعظمهم محمد (مترجم) ،وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة وجائزة الفارس الذهبى من التليفزيون المصرى أربع سنوات متتالية، و جائزة كاتب الأدب العلمى الأول من أكاديمية البحث العلمى، فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الأولى من مؤسسة السوق العربية فى لندن،و جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب والعلوم الاجتماعية عام 1963، جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1981،جائزة الإبداع الفكرى لدول العالم الثالث عام 1981، جائزة مبارك فى الآداب عام 2001.
____________
من كتاب " المثقفون وكرة القدم "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.