في وسط مدينة الإسكندرية يقع أشهر مساجدها، يطل شامخًا على أمواج البحر العاتية متحديًا إياها وكأنه قد أخذ صفة الشموخ من الشعب الذي شُيد فيه ليؤثر فيهم ويؤثروا فيه، وكيف تنتفي عنه صفة الشموخ والنضال وهو المسجد الذي بنى تكريما لإبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد علي، وسُمي باسم مؤسس العسكرية المصرية الحديثة والقائد المدافع عن وحدة الأمة المصرية. إنه مسجد القائد إبراهيم، ذلك المسجد الذي بنى عام 1948 في الذكرى المئوية لوفاته ليصبح وجهة سياسية لأهالى الإسكندرية، بالإضافة إلى كونه وجهة دينية، فمنذ ذلك التاريخ وساحة المسجد تشهد كل مظاهر تعبير الشعب السكندري عن غضبه وتنديده بأحداث سياسية عدة، بدءا من المؤتمرات الجماهيرية المنددة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948، مرورا بانتفاضة الدفاع عن الشعب الأفغاني إثر الغزو السوفييتي عام1979 نهاية بمظاهرات ثورة 25 يناير الرافضة لحكم مبارك ليصبح المسجد "ميدان التحرير" بالنسبة للإسكندرية، فهو مكان تجمع الآلاف وانطلاق المسيرات. أما منبر المسجد فقد علا منه صوت الشيخ أحمد المحلاوي في نهاية السبعينيات باعتباره إمام المسجد في ذلك الوقت ملقيا للعديد من الخطب السياسية الناقدة لحكم الرئيس الراحل أنور السادات والمعارضة لاتفاقية كامب ديفيد ومشروع قانون الأحوال الشخصية، ولم يتوقف ذلك الصوت إلا بصدور أمر باعتقاله عام 1981 ولكنه عاد مرة أخرى أثناء حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك ليواصل خطبه السياسية دون خوف حتى تم منعه من الخطابة في ذلك المسجد أو في غيره عام 1996. هكذا يتميز مسجد القائد إبراهيم عن غيره من مساجد الإسكندرية بل ومساجد مصر أجمعها بكونه مسجدا ذا مكانة تاريخية مليئة بالأحداث السياسية، هذا فضلا عن مكانته الدينية، فهو المسجد الذي يجتذب إليه آلاف المصلين في شهر رمضان لآداء صلاة التراويح والتهجد وذلك لكبر مساحته التي تبلغ ألفي متر مربع واتساع ساحته الخارجية وفضاء الشوارع المحيطة به، إلا أن تلك المساحة الشاسعة عادة لا تكفي أعداد المصلين المتزايدة خاصة فى العشر الأواخر من رمضان وحينها تغلق الشوارع وتتعطل حركة المرور لترسم الكاميرات لنا مشهدا روحانيا مؤثرا. المكانة المعمارية للمسجد تتجلى في جمعه لعدة عصور، فقد أسسه المهندس ماريو روسّي كبير مهندسي الأوقاف حينها على الطراز المعماري الإيطالي المحلى بالزخارف الإسلامية التي ترجع لعصور مختلفة، حيث جمعت جدران المسجد بين زخارف العصر الفاطمي والعباسي في آن واحد، هذا ولم تخل مئذنته من التميز شأنها في ذلك شأن المسجد بأكمله فهي مئذنة طويلة فريدة الشكل تتوسطها ساعة كبيرة وكأنها وجدت لتكون شاهدة على نضال الشعب السكندري ومسجلة لأهم لحظاته التاريخية.