لا أحد يزايد على المواطن المصري، في الفهم والوعي والقدرة على الربط بين الأمور، خصوصًا تلك المتعلقة بالثورة وتداعياتها السياسية. وفي مقال افتتاحي لمناقشة بين قراء "المشهد"، يكتب محمد حمدون، محللا ومفندا أسباب بقاء الفلول على الساحة ثم أسباب تحركهم مع دخول موسم الانتخابات.. "هل كان أبناء مبارك عاقين بأبيهم؟ سؤال أطرحه على هؤلاء الفلول (الفلول جمع فلّ: وهم المنهزمون) الذين يهددون بمليونيات لقطع الطرق إذا طبق قانون الغدر الذي يهدف إلى حرمان كل من يثبت أنه أفسد الحياة السياسية، ومن بينهم رموز النظام السابق، بالعزل من الوظائف العامة القيادية، وإسقاط العضوية في مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، هذا فضلا عن الحرمان من حق الانتخاب أو الترشح لأي مجلس من المجالس المنصوص عليها لمدة 5 سنوات من تاريخ الحكم. بالفعل كانوا عاقين لأنهم حمّلوا أباهم المسؤولية كاملة عما آلت إليه حالهم من ازدراء المجتمع لهم ونبذه لكل ما يمت إليهم بصلة، رغم أنه سلّمهم البلد ليرتعوا ويعيثوا فيه فساداً ويمعنوا في إذلال أهله. حينما كان مبارك رئيساً للبلاد وبعدما خرج المارد المصري ثائراً على هذا الطاغوت، لم يستطيعوا حشد بضعة آلاف من أجل مساندة أبيهم الذي لم يربيهم، وتبخر الحزب الذي كان يتباهى بأنه يضم ثلاثة ملايين عضو، وأنه حزب الأغلبية، هذه الملايين التي كانت لعبة في يد النظام وكانت تمثل الغطاء الشرعي له، ها هي الآن تعلن أنها ستحشد 15 مليوناً.. من أجل ماذا؟ من أجل الحفاظ على مصالحها الشخصية لا من أجل الوطن، فليس من شارك في هدم الوطن يكون شريكاً في بنائه. ويقيناً لن يستطيعوا أن يحشدوا حتى المئات، ولو كانوا يستطيعون لفعلوا ذلك أيام مبارك، ولكنهم أعجز من أن يواجهوا الجماهير بجماهير، فأسلوبهم الذي تربوا عليه وخبروه هو مواجهة الجماهير بجموع من البلطجية والمخربين المأجورين. رغم كل هذا فأنا ضد العزل السياسي، وذلك لأسباب عديدة أهمها: - أنه ينبغي أن نتعلم من دروس التاريخ، ولا نقع في ما وقع فيه عبدالناصر ورفاقه بإنشاء «محكمة الثورة» التي هلل لها الجميع، «فقد جاءت بأغلب رجال السياسة من أصحاب الأقدار والأسماء اللامعة وجردتهم من هيبتهم، وجعلتهم يقفون أمامها وأمام الناس عرايا خائفين وطامعين، ثم أردفوا ذلك بالخبطة الكبرى التى عمت آثارها البلاد وقوضت النظام في أدق تفصيلاته وهي (حركة التطهير) التي أغرت كل موظف أن يشكو رئيسه وكل صغير أن يتهجم على كبير»، (من كتاب عودة الوعي لتوفيق الحكيم). وكانت النتائج كارثية باستعداء فئات كثيرة وبدلا من تحييدها - على أقل تقدير - ناصبت الثورة العداء وعادى الشعب بعضه بعضاً. - يجب أن نفوّت على هؤلاء الفلول الفرصة ليظهر حجمهم الحقيقي، ويعلموا أن الشارع قد نبذهم، ولئلا يتذرعوا بأنه قد تم إقصاؤهم، ولو أتيحت لهم الفرصة لأثبتوا للجميع ما يتمتعون به من شعبية، ولفازوا بأغلبية مقاعد البرلمان. - ونحن نبني ونؤسس لنظام ديمقراطي ودولة الحريات والقانون علينا أن نتخلى عن سياسة الإقصاء التي اتبعها النظام السابق مع معارضيه وخصومه السياسيين، ثم إن في هذا الإقصاء إيغارًا للصدور، وتشجيع للعمل السري خارج إطار القانون، والتآمر على الدولة. - كما أن ثورة يناير البيضاء لم تنشئ محاكم استثنائية، وضربت المثل في محاكمة مبارك وأعوانه أمام قاضٍ طبيعي، يجب ألا نقصي خصومنا حتى وإن بغوا في الماضي، وليكن جهدنا منصباً على توعية الناس وتحذيرهم من هؤلاء الذين كانوا أداة النظام في إفساد الحياة السياسية. - لا ينكر أحد أن النظام أفسد كل شيء طوال 30 عاماً حتى الأخلاق فسدت نتيجة البطالة والإهانة في أقسام الشرطة والمعتقلات والانحياز لرجال الأعمال، فتربى جيل على الغش والكذب وقبول الرشوة والانتهازية، فهانت على الناس كرامتهم حتى أمام أنفسهم، وفي هذا الجو وجد الكثير في الانضمام الى الحزب الوطني ضالته، وما يلبي طموحاته، فما بين طامع في منصب أو حظوة عند المسؤولين أو راغب في جمع مال، وهم في النهاية مصريون لا بد أن نمنحهم فرصة لتطهير أنفسهم من خطايا النظام السابق".