مصر كانت دائماً الشقيقة الكبري في محيطها العربي، لكن بعد عقود من الرأسمالية والتبعية تحولت مصر إلى كيان ضعيف بقيادته وسياساته وتوجهاته وتستحق المساعدة حتى من دولة قطر التي ظلت تتبادل معها الحروب الكلامية لسنوات. منذ أيام نشرت وسائل الإعلام خبرًا عن ضم الأردن والمغرب ومصر والعراق لمجلس التعاون الخليجي ليتم رسمياً الإعلان عن وفاة النظام العربي القديم الذي تقوده الجامعة العربية، والتحول إلى حقبة جديدة تسودها قيم التبعية الكاملة للولايات المتحدة ودمج إسرائيل في المنطقة وصعود تيارات التخلف والرجعية لصدارة المشهد، هل خرج المصريون في 25 يناير لتتحول مصر إلى دولة خليجية؟! وهل هانت مصر على حكامها حتى تتصدق عليها قطر؟! وهل هذه النفحة من الشيخ حمد عربون محبة لوقف الحملة على قناة الجزيرة؟! أم بداية لتنفيذ الشرق الأوسط الكبير؟! أسئلة كثيرة تتبادر للذهن وخلاصتها أن سياسات الذل والهوان لا زالت تحكمنا باشخاص جدد. رغم الحديث عن تجاوز الدين المحلي 1044 مليار جنيه ونفى وزير المالية لذلك، فإن التقرير الشهري الصادر عن وزارة المالية يوضح ان اجمالي الدين العام المحلي ارتفع بقيمة 162.7 مليار جنيه ما بين يونيو 2010 ويونيو 2011 ليصل الى 932.5 مليار جنيه تمثل 68% من الناتج المحلي، بينما ارتفع الدين الخارجي خلال نفس الفترة بقيمة 1.2 مليار دولار ليصل الى 34.9 مليار دولار تمثل 15.2% من الناتج المحلي، أي ان إجمالي الدين المحلي والخارجي يمثل 83.2% من الناتج المحلي . كانت بعثة من صندوق النقد الدولي توصلت برئاسة السيدة راتنا ساهاي، نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلى اتفاق مع السلطات المصرية يقضي بعقد لإقراض مصر 3 مليارات دولار أمريكي لدعم برنامج الحكومة الاقتصادي وهو ما نشره الصندوق على موقعه في 5 يونيو 2011، كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد امر الدكتور سمير رضوان بعدم ابرام الاتفاقية ثم اقالته وتعيين الدكتور الببلاوي خلفاً له. اعتبر المجلس العسكري قضية اضافة 3 مليارات دولار للديون الخارجية قضية أمن قومي، ولا اعرف ما الذي تغير حتى يبدأ الببلاوي حملة جديدة لزيادة الديون الخارجية، والصندوق معروف بانحيازه للقطاع الخاص وعدائه للعمال والفلاحين والفقراء، وتشن صحيفة المصري اليوم حملة ترويع تدعو لسرعة إبرام القرض مع الصندوق لأن أوضاعنا الاقتصادية تتدهور وسيتم فرض شروط أسوء علينا، ولا تهتم بعرض الآثار المترتبة على إبرام مثل هذا الاتفاق، ولا نعرف عن أي طرف تدافع المصري اليوم؟! لقد اتهم كاتب صحيفة الاندبندنت يوهان هاري صندوق النقد الدولي بتجويع الآلاف حتى الموت، ووجه تهمة خطيرة ضد صندوق النقد الدولي، وهي أهم من محاكمة رئيسه السابق شتراوس باغتصاب خادمة، وهي تجويع الآلاف وضرورة إخضاعه للمساءلة عن الإجراءات التي فرضها على عشرات الدول والتي تسببت بالمجاعة والاضطرابات الاجتماعية، وعرضت الاندبندنت لآثار اتفاقيات الصندوق على اقتصاديات مالاوي وغانا وكينيا وكيف كانت تصب لصالح أصحاب المصارف ورجال الأعمال وتعمل على المزيد من الإفقار لشعوب هذه البلدان، هل يمنح الصندوق قروضه للدول بلا مقابل ؟!! بالعودة للبيان الصحفي الذي اصدره صندوق النقد الدولي في 5 يونيو تتضح ابعاد اخرى لشروط القرض وهي إلزام مصر" بعدد من الإصلاحات الهيكلية، منها التحول إلى ضريبة استهلاك على غرار ضريبة القيمة المضافة وإصلاح نظام الدعم الذي يتسم بقدر كبير من عدم التكافؤ والتكلفة المرتفعة، من أجل تحسين كفاءة الانفاق العام والعمل على تخفيض عجز المالية العامة في المدى المتوسط، ونتفق مع الحكومة في رأيها من حيث عدم إمكانية تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل فوري في سياق هذا الاتفاق نظرا للحاجة إلى عمل تحضيري إضافي يضمن وجود شبكة فعالة للأمان الاجتماعي توفر الحماية للأسر منخفضة الدخل، وتنوي الحكومة إعداد خريطة طريق تسهل تنفيذ هذه الإصلاحات في المستقبل. وقالت السيدة ساهاي رئيسة بعثة الصندوق : "يمثل البرنامج الاقتصادي الذي حددته السلطات خطوة أولى نحو وضع الأساس لنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص ويشمل جميع المواطنين، وستؤدي المساندة المقدمة من المجتمع الدولي إلى تيسير جهود السلطات إلى حد كبير في سعيها لتحقيق أهدافها الاقتصادية، والصندوق ملتزم في نفس السياق بمساندة مصر وشعبها عن طريق الاتفاق المزمع". هذه هي الأهداف التي يسعي الصندوق لتحقيقها في مصر، فلا يوجد قرض أو معونة لوجه الله، لكن لماذا يعود الببلاوي عضو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي للاقتراض والتسول من دول الخليج؟! وأين الشعارات الاجتماعية لحزبه عندما تغرق مصر في القروض والمعونات؟! وأين يذهب الفقراء ولمن يشكون ؟! وإلى اين قادتنا المعونات الأمريكية وماذا حققت لمصر ولفقراء مصر؟! المعونة الأمريكية لمصر تتلقي مصر مبلغًا ثابتًا سنويا من الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر و إسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية، تمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية. اذا كانت مصر قد توقفت عن الحرب لماذا حصلت على مساعدات عسكرية تتجاوز 40 مليار دولار ؟! وهل ذهبت المعونة لبناء قدرات الجيش المصري وتطويره أم لكسب ولائه وإفساده؟! وأين ذهبت 25 مليار دولار تم تبديدها على حملات تنظيم الأسرة وانظر حولك، هل لعبت المعونة الأمريكية أي دور في تطوير قدرات مصر ودعم التنمية ؟! أو تخفيض البطالة وتوفير فرص عمل منتج أم توجهت لمشروعات البنية الأساسية وبيع الشركات المنتجة؟! لقد أعدت الولاياتالمتحدة دراسة قدمها مكتب "محاسبة الإنفاق الحكومي" التابع للكونجرس بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة ونشرت في واشنطن ريبورت عام 2006 حيث أوضحت أن المساعدات الأمريكية لمصر "تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة"، وأوضحت الدراسة أن المصالح الأمريكية التي تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات لمصر شملت أوجها عديدة من بينها: - سماح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة ل861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال الفترة من 2001 إلى 2005، وتوفيرها الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج. - قيام مصر بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسيا عراقيا خلال عام 2004. - أقامت مصر مستشفى عسكريا، وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005، حيث تلقى أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية. إذا لا توجد مساعدات لوجه الله تعالي، ولكن لكل مساعدات مبرر واهداف متفق عليها بين المانح والممنوح!!! المنحة القطرية والمنح الخليجية عندما شارك نظام مبارك في توفير غطاء عسكري لقوات الحلفاء في حرب الخليج تمت مكافأته بإسقاط دفعة من ديون مصر الخارجية، وبدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تبشر بسوق شرق أوسطية في القلب منها إسرائيل، لذلك فإن مشروع توسيع مجلس التعاون الخليجي ليس ببعيد عن احياء وتنفيذ السوق الشرق أوسطية برعاية أمريكية. كما ان شعور دول مجلس التعاون الخليجي باحتمالات عودة العلاقات المصرية الإيرانية جعلها تبادر بطرح ضم عدة دول لمجلس التعاون الذي ظلت اليمن لسنوات تسعي لعضويته دون جدوي باعتباره نادي اثرياء النفط ، ولا مكان فيه لفقراء المنطقة حتى ولو كانت دولة خليجية فقيرة مثل اليمن، وهل يخفي على احد الدور الخليجي في اليمن ورعايتها لديكتاتور اليمن المحروق؟! لقد قرر أثرياء النفط ضم اربع دول لمجلس التعاون هي العراق وهي بالفعل دولة خليجية خاصة بعد خضوعها الكامل للسيطرة الأمريكية منذ سنوات وكذلك ضم الأردن ومصر والمغرب وهي ثالوث التبعية الأمريكية والعلاقات مع إسرائيل خارج الخليج، وكعربون محبة ابدت دول اثرياء النفط استعدادها لمنح مصر مساعدات تصل الى 3 مليار دولار أي 18 مليار جنيه، بدأتها شبه جزيرة قطر بخمسمائة مليون دولار تعادل 3 مليارات جنيه مصري. رغم وجود دعاوي أمريكية منذ عام 1991 لإقامة سوق شرق أوسطية تضم إسرائيل فإن الأردن هي الدولة التي استضافت منتدي دافوس أو هيئة أركان النيوليبرالية الجديدة، وهي التي ابتكرت منذ عام 1997 وبمباركة أمريكية اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز ) مع إسرائيل والتي انضمت إليها مصر في عام 2005 من خلال ثلاث مناطق مؤهلة، أما المغرب فهي صاحبة علاقة قديمة بالدولة العبرية ومعروف ولاؤها الأمريكي. كذلك فإن قطر لمن لا يعرف هي من أكبر عملاء الاستعمار الأمريكي في المنطقة والعلاقة الأمريكية القطرية هي علاقة استراتيجية طويلة الأمد، حيث يوجد تعاون كبير بين الدولتين في مجالات مختلفة، ففي المجال العسكري والأمني تستضيف قطر القوات الأمريكية في قاعدة السيلية ومطار العيديد، وهناك تعاون أمني، وفي الوقت الذي تنأى فيه دول خليجية أخرى بنفسها عن استضافة القوات الأمريكية، ترحب قطر بذلك، أما في الاقتصاد فنجد أن أكثر الاستثمارات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات العشر الماضية كانت في قطر، الشركات الأمريكية استثمرت أكثر من أربعين مليار دولار، وهناك مشاريع مستقبلية مشتركة مع الجانب الأمريكي تقدر قيمتها خلال السنوات الخمس القادمة بسبعين مليار دولار، خاصة في الطاقة، كما يوجد مكتب تمثيل إسرائيلي في الدوحة ،لذلك عندما تمنح قطر الحكومة المصرية 3 مليارات جنيه فهي ليست خالصة لوجه الله لأنها قادمة من قطر. كما تمثل دول مجلس التعاون الخليجي المصدر الرئيسي لأفكار السلفية والتطرف، وقطر التي منحتنا 500 مليون دولار هي التي منحت الشيخ يوسف القرضاوي قطب جماعة الإخوان المسلمين الجنسية القطرية وعينته مستشارا للأمير، كما فتحت أبوابها لكل الإخوان والجهاديين المضطهدين ، كما فتحت لهم قناة الجزيرة، وكانت بتعليمات أمريكية حلقة الوصل مع تنظيم القاعدة الذى كان المفتاح لاحتلال افغانستان، لذلك فهي تمثل ما يسمي الإسلام الثروي والذي يعتمد على التدين الشكلي والتشدد، وهل ننسي الدور القطري في شق الصف الفلسطيني والدعم اللا محدود لحركة حماس، ألم يؤد ذلك لتعميق الانقسام الفلسطيني؟! لقد حصلت مصر على أكثر من 25 مليار دولار معونات امريكية علي مدي السنوات الماضية، فيم انفقتها؟! وهل عادت بالنفع علي المواطن المصري البسيط؟! لكنه فقدان الإرادة السياسية والتبعية والافتخار بالذل وتحول مصر من دولة قائدة إلى دولة مهزومة، هل أدركنا الأبعاد الحقيقية للمنحة القطرية، وهل نذكر قول الزعيم مصطفي كامل " إن من يفرط في حقوق بلاده ولو للحظة واحدة، يبقي أبد الدهر مزعزع العقيدة، سقيم الوجدان "، أفلا تعقلون؟!.