«بنها الأهلية» تنصب أول اتحاد طلابي.. ورئيس الجامعة: انطلاقة حقيقية لبناء كيان قوي    الرئيس السيسي يشهد افتتاح عدداً من المشروعات الزراعية عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»    بيكو مصر تفوز بجائزة "أكبر مُصدر عالمي حقق طفرة في صادراته" من المجلس التصديري للصناعات الهندسية    مصادر طبية في غزة: 8 قتلى وأكثر من 60 إصابة نتيجة قصف إسرائيلي على جباليا وسط مدينة غزة    الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع لأجهزة أشباه الموصلات في منطقة أوريول الروسية بطائرة مسيّرة    وزير خارجية تركيا: الحرب الروسية الأوكرانية تشهد نقطة تحول على طريق الحل الدبلوماسي    جوارديولا عن رحيل نجم السيتي: لا يمكن تعويضه    الداخلية تضبط 417 قضية مخدرات و231 قطعة سلاح في حملاتها خلال 24 ساعة    مباحث تموين المنوفية تضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع منتجات غذائية    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون.. صور    حلقة بحثية بالغربية تناقش آثار التكنولوجيا الرقمية على الأطفال.. ومطالبات بوعي مجتمعي لمواجهة الإدمان الرقمي    مقتل 6 في انفجار حافلة مدرسية ب باكستان.. وإسلام آباد تحمل الهند المسؤولية    بوتين في كورسك.. رمزية استعادة الأرض ودور كوريا الشمالية    توريد 550 ألف طن قمح لمواقع التخزين في الشرقية    جلسة مرتقبة من مسؤولي الأهلي للتعاقد مع ثنائي البنك.. إعلامي يكشف    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    متحدث الإسكان يكشف شروط وتفاصيل طرح 15 ألف وحدة سكنية    بقيمة 6 ملايين جنيه.. الأموال العامة تضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية    إي اف چي القابضة تحقق أداء تشغيليا قويا بدعم النمو المستمر لكافة قطاعات الأعمال    استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين إثر قصف الاحتلال في مدينة غزة    الرئيس السيسى يشهد افتتاح مجمع المصالح الحكومية للخدمات الذكية بالوادى الجديد    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    رئيس "التأمين الصحي" يعقد اجتماعًا موسعًا لبحث الاستعدادات لعيد الأضحى    صحيفة برازيلية: الأهلي ريال مدريد أفريقيا    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال السنوي لمدارس السلام ببنها    لقاء موسع ب«القومى للمرأة» حول استراتيجية تمكين المرأة 2030    مقتل 3 عناصر شديدة الخطورة في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بالدقهلية وقنا    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    تراجع سعر الجنيه الاسترلينى بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء 21-5-2025    دوري أبطال إفريقيا.. بعثة بيراميدز تطير إلى جوهانسبرج لمواجهة صن داونز    «خناقة» فى الأهلى؟!    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون الثقافي وصون التراث ويصطحبه في جولة بدار الكتب بباب الخلق    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    «حبة الكرز».. كيف علق جوارديولا على إهدار دي بروين لأسيست مرموش أمام بورنموث؟    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قضية رشوة مسؤولي حي البساتين.. 5 سنوات مشدد لمهندس وإعفاء وبراءة آخرين من العقوبة    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    تقرير: إسرائيل في أدنى مكانة دولية.. وتسونامي اقتصادي خطير    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    البيدوفيليا؟!    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" خمسة وخميسة " القصة الفائزة بجائزة مكتبة الإسكندرية
نشر في المشهد يوم 10 - 10 - 2011

من فوق شاطىء البحر المتوسط، وتحديدًا من ساحل "منية المرشد" بمدينة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ بدأ الكاتب الشاب محمد إبراهيم سلطان، رحلته نحو التألق والصعود، ليفوز بجائزة مكتبة الإسكندرية للقصة القصيرة، والتي سوف يتسلمها غداً، بقصة تحمل عنوان "خمسة خميسة"، والمسابقة برعاية مكتبة الإسكندرية ومكتبة ديوان.
والكاتب محمد سلطان كان قد فاز بجائزة الشاعر "عماد على قطري" بالمجموعة القصصية "ألوان غامقة"، كما حصل على جائزة هيئة قصور الثقافة عن مجموعة قصصية " ألواح المرمر ترفض الذوبان"، وهو من مواليد عام 1979 محافظة كفر الشيخ قرية "منية المرشد"، وحاصل على ليسانس آداب فرنسي، يعمل حالياً مدرس لغة فرنسية، ونتمني له التوفيق دائماً.
خمسة وخميسة
عرير صرصور الغيط.. مأمأة الخروف في الجرن، ونشاط كلب البحر في الترعة مع الضفادع، بالتناوب اغتصبوا خرس الليل، وامتزجوا برائحة الروث المعجون بالتبن والطين، والروث في قريتي يعني "السباخ" أو "الجِلّة" بكسر الجيم ولإلباسها بعض الشياكة والقبول جعلوها "روثاً"، لكنها في الأول والآخر "جلة".. أكواماً.. أكواماً.. تتصاعد منها أبخرة خفيفة في ضوء القمر ومصباح العامود الخشبي المزروع في بطن السكة منذ سنين.
العجينة التي استخدمتها جدتي كعادة يومية لم تكلفها غير بعض الجهد والكنس تحت البهائم، وحتى تتحصن من آلام الشيل والحط كانت تحزم ظهرها وتزمر خصرها برباط مفتول من صوف الغنم.. وما شاء الله تتبختر بقصعة الروث وقُفة التبن بين الصبايا ولا بنت العشرين.
لم تدرس مبروكة الكيمياء، كي تفسر لي سر الأبخرة المتصاعدة من أكوام الروث.. بل لما سألتها عن أسباب هذا الحريق الخفي سخرت منى:
يمكن العفاريت بيخبزوا رقاق بالليل !
الله يا مبروكة.. كم أحن الآن لرقاقة ساخنة وفحل بصل ناشف مع كوز لبن رايب وصحن جبنة قديمة.. والجبنة القديمة هي "المِش" والميم مكسورة:
إلهي وأنت جاهي تتكسر رقبتك يا بعيد.. بصل ولبن رايب مع بعض ؟؟!!
أصابعها الغطسانة في كوم الطين حية وطرية.. الخنصر والبنصر والسبابة والإبهام مرسومين على قرص الجلة حتى الصباح.. ما إن طلعت الشمس، عادت وقلبته على وجهه الآخر لينضج.. وآخر النهار يصير ناشفاً كالحطب.. تجمعه في الماجور النحاس، وتستخدمه وقودًا لشواء السمك و دس البرام.. وأحياناً تفتته في إناءٍ فخاري، لترقينا من عيون الناس.
مبروكة تخشى الحسد.. العين فلقت الحجر.. لطخت باب الدار بكفيها وعلقت تحتهما خمسة وخميسة وسمكة مشوية !
يا سلام على السمك وهو خارج من الفرن يغلي.. حاجة تفتح النفس وتخلي الريق يجري.. وكله كوم وبرام المعمر كوم.. نازل سايح من فوق "الكانور" يهز أجعص كرش:
كُل بالهنا و الشفا وحصلني على الجرن بسرعة !
أستاذ الجغرافيا رسم خريطة العالم.. يمط رقبته ويفتح وعينا على فائدة السماد البلدي، وكيف نجحت الدول المتقدمة في استخراج غاز الميثان من روث البهائم.
تسربت من شرح المدرس مع الأبخرة المتصاعدة خلف الزريبة.. أرفع السطل من المصرف وأدلقه حيث أمرتني مبروكة.
السبورة جرن يتسع.. تتبخر منه خطوط الطباشير المشتبكة بهمجية.. خطوط طالعة وخطوط نازلة بداعٍ وبدون داعٍ.. هي خصلة الأستاذ ولا تصل لنا المعلومة إلا بالشخبطة ونقش الفراخ غير المفهوم.
انطمست معالم الخريطة، وتداخلت القارات السبع في واحدة.. صارت أسيومريكية.. وبقدرة قادر نطت منية المرشد في بغداد.. كل المنياوية سكنوا بغداد.. كل الخطوط تؤدي إلى بغداد.. ومبروكة لا تزال تعجن التبن بالروث وتبكي خالي المتغيب عنها في أراضي العراق لا نعرف له طريق جرة كأن الأرض انشقت وابتلعته.. لا حس ولا خبر !!
عاد الأستاذ يخطط الجرن ويقسم الخريطة إلى بلدان منتجة وأخرى مستوردة، والحمد لله وقعت قريتي ضمن حيز الإنتاج.. والفضل يعود إلى زريبة مبروكة التي تنتج أسبوعياً ما لا يقل عن خمس قفات من الجلة البقري ومثلها جاموسي.. ولو حافظت مبروكة على غذاء البهائم لمدة سنة واحدة سنصبح قريباً من أولى البلدان المصدرة للوقود.. صحيح ستستوردها أميركا برخص التراب لكننا سنقبض بالدولار:
مبروكة.. نفسي أكون وزير للطاقة !
اجدعن في المدرسة وربنا يعطيك على قد نيتك.
خلف الزريبة رسم الأستاذ أكبر حقول الوقود.. وتركني أتفاوض مع مبروكة لإنجاز أول صفقة.. حصاد شهر كامل من الكد والتعب.. والجري وراء البهائم في الشمس والحر على السكك والمصارف والسهر حتى الصباح أحرس السباخ من قراصنة الحقول وحرامية الجلة.
السعر الذي افترضته لفتح باب العطاء كتدريب على مهنتي المستقبلية كوزير للطاقة لم يعجب مبروكة.. ضربتني على مقعدتي بيد المسحاة:
ارضى بنصيبك وبلاش طمع.
يعني يضيع تعبنا هدر.. نرميه ؟
وجلست معها طول الليل.. أقنعها أحكي لها عن كبرى بلدان العالم في إنتاج النفط و البترول وكيف إن لم نكسر شوكة أميركا من أول صفقة ستركبنا وتضرب الزريبة وتضيع الوزارة!!
في البداية قلقت وارتجفت وخاصة لما ظهرت حكاية خالي وقلبت عليها المواجع.. لكن لحقتها بكذا نكتة سمعتها من وكيل وزارتي.. وأخيراً ضحكت واقتنعت وفوضت لي المهمة.. أعطتني الختم و الحيازة و وقعت مع المستورد الأمريكي العقد.
عزمناه على العشاء احتفالاً بأول صفقة.. الطبلية عامرة بخير الله.. والبط مطهياً في الفرن على أجود أقراص الجلة، وقبل رحيله لفّت له مبروكة حزمتين خس ومسمار لبن من البقرة الوالدة ثم شرب الشاي وانصرف.
قبضت مبروكة الدولارات.. اشترت أراضي هنا وهناك.. كبرت الزريبة.. أصبحت زرائب.. زودنا المرتبات في الوزارة وماهيات العمال في الغيط.
الأبواب مدهونة بالزيت وعلى كل باب خمسة وخميسة فضة.. الناس لا تكف عن الحسد ولابد من وقفة مع المستورد الحرامي.. سأرفع السعر !!
أرسلت عريضة بالأسعار الجديدة.. جاءني الرد عبر الفاكس:
"خاف على أكل عيشك".
وقفت في الدور الثاني أتابع حركة المواشي والأنفار الغلابة.. التمليّة.. مبروكة وهي محزمة الخصر.. شعرتُ بالورطة..
ما ذنبهم إن طلع السعر أو نزل ؟
وماذا سأفعل لو نال كل واحد منهم عيار في رأسه ؟
أين ستذهب عيالهم ؟
صحيح الغلبان عمره ما يشبع غُلب.. !
الختم والحيازة في الخزينة وبصمات مبروكة في كل مكان.. لم تترك باباً إلا ولطخته بكفيها.. خافت عليّ من العيون.. كبرت في حجرها فرأت في ملامحي ملامح خالي الغائب.. تُرى من يخلصني من هذه الورطة ؟؟
الولد ده مشاغب.. وهيجيب لنا قضا مع أمريكا !
هبط الليل على البلكونة مع الطل والندى.. عرير الصرصور في الجرن يشتد، والخروف لا يكف عن المأمأة.. ورأسي تبحث بين المزارع عن مخرج !!
هل من مخرج لهذه الورطة ؟؟
هل من مخرج ؟؟
فجأة.. استدار الأستاذ إلى السبورة مسحها تماماً.. نظفها من الزريبة وبدأ أول أسئلة الواجب:
س1: ما هي أكبر زريبة في العالم ؟

**********************

*منية المرشد : اسم قريتي.
1- برام المعمر
وهو إناء فخاري يوضع في الفرن البلدي أو الآلي على حد سواء وبه خلطة الأرز بالزبيب و اللبن و اللحم..
2- الكانور
هو أشبه بالفرن البلدي لكنه مصغر الهيئة وأبسط بكثير من الفرن في الحجم و التركيب.
3- مسمار لبن
مسمار اللبن ويقال في قرى أخرى (السرسوب) وهو اللبن التالي لولادة البهمية ويكون دسما جداً وأشهى وأطعم من اللبن الحليب .. وأنا عن نفسي أعشقه وخاصة لما يوضع في البرام لينضج مع السكر في الفرن البلدي.
4- كلب البحر
حشرة أشبه بالصرصور لكن أطول قليلاً وقلما يطير، ودائما يسكن الترع و القنوات وله صوت مزعج حقيقةً .. فأزيزه صافر صارخ متعب للأذن والأعصاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.