بصرف النظرعن فوزه بجائزة نوبل في الآداب لعام 2011، فإن توماس ترانستورمر هو أهم شعراء السويد، ولكن العرب لم يعرفوا هذه الحقيقة الساطعة إلا من السيرة الذاتية له، والتي ليس لها وجود أصلا في أرشيف أي وسيلة إعلام عربية، على ما يبدو، والسويد ليس بلدا مجهولا، بالنسبة لنا، على الأقل لكونه بلد الفريد نوبل، الذي تحمل الجائزة الأشهر في العالم اسمه، تلك الجائزة التي نبجلها -نحن المصريون- على نحو خاص، لاعتزازنا بفوز أكثر من مصري بها، وذلك ما يعرفه جيدا حتى تلاميذ المرحلة الإبتدائية، فلماذا، والأمر كذلك، ظللنا نجهل اسم اكبر شعراء بلد تتجه اليه أنظارنا، منذ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب عام 1988، على أمل أن يعلن فوز مصري أو عربي آخر بتلك الجائزة؟ لماذا لم نقرأ حرفا واحدا في أي صفحة ثقافية، في أي صحيفة مصرية أو عربية، عن أن ترانستورمر مرشح للفوز بالجائزة، واقتصرت قائمة المرشحين على أسماء عربية، يصر إعلامنا الثقافي منذ سنوات عدة عليها، وفي كل سنة يكون الفائز، أو الفائزة، مجهولا بالنسبة لنا، ما عدا استثناءات قليلة، منها التركي أورهان باموق والألماني جونتر جراس، على سبيل المثال؟ بلا شك، هناك تقصير من جانب الإعلام الثقاقي المصري والعربي، وقد يكون هذا التقصير متعمدا، كي لا يظهر في صدر الصورة سوى أدونيس، مع تقديرنا لشعره ونثره وتجربته الإبداعية والثقافية إجمالا، ومن خلفه عدد آخر من الأدباء العرب المعروفين لدى دوائر الأدب في أوروبا، بحكم ترجمة أعمالهم، خصوصا الى الانجليزية والفرنسية، ومنهم علاء الأسواني الذي لم ينشر إلى الآن سوى روايتين يشكك نقادنا في قيمتهما الأدبية، ومن ثم يتكرر لطم الخدود واتهام الغرب بمعاداتنا، واتهام الجائزة بأنها مسيسة، والغريب أن التهمة الأخيرة استخدمها كثيرون من مثقفينا للطعن في فوز نجيب محفوظ نفسه بالجائزة، فقيل إن فوزه كان مكافأة على تأييده معاهدة السلام بين مصر واسرائيل، والعجيب، أن ردود الفعل المصرية والعربية على "إخفاق أدونيس"، وخصوصا على "الفيس بوك"، اتسمت في معظمها بالشماتة وإنكار جدارته بالجائزة، وغلب عليها ترحيب بفوز شاعر يسمع غالبيتهم باسمه للمرة الأولى. شخصيا لا أشكك في جدارة الشاعر السويدي بالفوز بجائزة نوبل، ولا علاقة لذلك بكوني أعرفه أو لا أعرفه، فمن يعرفونه يؤكدون أنه أهم شاعر في بلده، ولذلك علينا أن نخجل من أنفسنا لأننا لا نعرفه، ونصب جام غضبنا على من قصروا في ترجمة أعماله إلى اللغة العربية، وعلى من ادعوا أنهم عليمون ببواطن الأمور المتعلقة بعمل مؤسسة جائزة نوبل، ومع ذلك تجاهلوا، عن عمد أو عن جهل، ذكر توماس ترانستورمر، الذي يؤكد الإعلام الغربي أنه على قائمة المرشحين منذ سنوات عدة، صحيح أن الأعمال الكاملة للشاعر السويدي تُرجمت قبل نحو خمس سنوات إلى العربية بواسطة العراقي قاسم حمادي، وقدم لها أدونيس، إلا أن تلك الترجمة لم تنتشر بالقدر المتوقع، ربما لأن الدار التي أصدرتها- دار بدايات الدمشقية- ليست مشهورة بالقدر الذي يغري زوار معرض ضخم، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، على اقتناء اصداراتها وبينها تلك الترجمة، أو ربما لاضمحلال الاهتمام بالشعر عموما بين قراء العربية منذ رواج مقولة جابر عصفور: "إننا نعيش زمن الرواية"، لكنني أميل إلى إرجاع الأمر إلى تقصيرنا في ترجمة الأدب العالمي المعاصر، مع أن في مصر مركزا قوميا للترجمة، وُلد من رحم مشروع قومي للترجمة، ومؤسس المركز، ومن قبله المشروع، هو أيضا جابر عصفور. الفائز بجائزة نوبل في الآداب لعام 2011 ينشر إنتاجه منذ عام 1954، ومع ذلك لم يُترجم إلى العربية إلا منذ نحو خمس سنوات فقط، وبعد أن تُرجمت أعماله إلى 50 لغة أخرى، الآن ربما يلتفت المركز القومي للترجمة إلى توماس ترانستورمر، وتنتبه إلى وجوده سهير المصادفة، رئيسة تحرير سلسلة "الجوائز"، التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما حدث من قبل مع فائزين آخرين بجائزة نوبل في الآداب، تعرفهم دوائر الأدب في أنحاء مختلفة من العالم، ونجهلهم نحن، لكن سيتواصل في الوقت نفسه تكرار ترجمة شعراء وروائيين، بعضهم مضى على رحيله عن عالمنا عشرات السنين، إلى الغة العربية، مادام ذلك يتم بمعرفة مراكز ثقافية تدفع جيدا للمترجمين وتشتري مئات النسخ من الناشرين، وستستمر شكوانا من أن الغرب، مانح أرفع الجوائز الأدبية، لا يعرف من أدبائنا سوى نجيب محفوظ وأدونيس... وعلاء الأسواني، والفضل طبعا للترجمة.