الدستور المصري، ذلك الكتاب الذي ينظم حياة الأفراد والجماعات وعلاقاتهم، ويحدد حقوقهم وواجباتهم داخل جمهورية مصر العربية، تحول إلى مصدر للجدل والتناحر فيما بينهم، خاصة بعد ثورة يناير التي طرحت بقوة على طاولة الحياة السياسية للمصريين، مسألة وضع دستور جديد حاكم للبلاد. لكن الجدل الأكبر كان حول مشاركة الأقليات العرقية والدينية في وضع بنوده. رغم أننا في مصر نصر على رفع كليشيهات تؤكد أننا نسيج واحد ولا توجد لدينا أقليات من أي نوع، إلا أن الواقع الحديث الذي نعيشه منذ تسعينيات القرن الماضي، يؤكد أن مصر تضم أقليات دينية وعرقية، من مسيحيين على اختلاف طوائفهم إلى بهائيين ومسلمين شيعة، وكذلك نوبيين، ولاننسى المرأة التي يتم حسابها كأقليات في بعض الأحيان، باعتبارها مازالت تناضل من أجل الحصول على حقوقها كاملة في مقابل الرجل داخل القانون المصري. الأديبة الدكتورة عزة نشأت، تمثل نوعين من الأقليات في مصر، فهي امرأة ومسيحية، وترى أن هناك ضرورة للفصل بين تمثيل المسيحيين في الدستور وتمثيل الكنيسة، فالكنيسة شاركت مؤخراً في الاجتماعات التي عقدت بمجلس الوزراء للتباحث حول الدستور، لكن مازال هناك نسبة من المسيحيين لديهم موقف يخالف الكنيسة نفسها، أمثال من يطالبون بزواج مدني، وتمكينهم من الزواج بعد الطلاق، وبالتالي ترى الدكتورة عزة، إن الكنيسة ليست هي الأقلية ولكن المسيحيين أنفسهم الذين تضيع بعض من حقوقهم المدنية في صراع الكنيسة والقانون أو الدستور. أما فيما يخص صفتها الثانية وهى كونها امرأة، ترى نشأت أن الدستور لم ينص صراحة على حقوق المرأة، وإنما ركز على فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في المطلق، حيث تقول: أنا لا أطالب الدستور بالتمييز لحساب المرأة ولكن باعتبارنا مجتمع له تاريخ طويل من التمييز لحساب الذكور، فيجب إقرار نظام الكوتة تحديداً في مجلسي الشعب والشورى، لحماية حقوق النساء، كذلك حمايتها من ظلم اتساع الدوائر الانتخابية ونظام القوائم والعقلية الذكورية، التي نعيشها يومياً، فعلى سبيل المثال لا توجد سوى سيدة واحدة - الاعلامية بثينة كامل - هى التي تجرأت وأعلنت أنها تنوي الترشح لكرسي الرئاسة. النوبيون أيضا، يحسبون أنفسهم أقلية عرقية في مصر، ويطالبون بحقهم في المشاركة لوضع بنود الدستور، بما يسمح لهم بحماية حقوقهم وممتلكاتهم، فالأديب والناشط في حقوق النوبيين حجاج أدول؛ يرى أن النوبة ثقافة نوعية داخل مصر، وتمثل لغة ثانية غير العربية على أرضها، ولحاملي اللغة عادات وتقاليد وموروث ثقافي وسلوكيات خاصة، يجب حمايتها. فكرة الاهتمام بالنوبيين والاستعانة بهم لم تكن واردة سوى في اجتماع لمجلس الوزراء مع الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق في اليوم الرابع من شهر سبتمبر الماضي وصدر قرار وزاري بحق العودة للنوبيين، وإنشاء هيئة لتنمية المنطقة الواقعة حول بحيرة أسوان، إضافة إلى مراجعة حقوق مهاجري خزان أسوان. لكن ووفقاً لأدول؛ لم يتم تفعيل هذه القرارات منذ ذلك الوقت، حيث لم يدخل النوبيون في أي مفاوضات أو اجتماعات خاصة بالدستور مع الحكومة، وطالب بحقهم في العودة إلى أراضيهم التي تم تهجيرهم منها في مقابل عودة أهل السويس الذين هجروا أرضهم أثناء الحرب المصرية الإسرائيلية. في مقابل المسيحيين والنوبيين، يواجه الدستور أيضا، ملف البهائيين في مصر، الذين لا يتم الاعتراف بدينهم من الأساس أو حتى السماح لهم بكتابته في خانة الديانة ببطاقة الرقم القومي، كما لا يتم الاعتراف بزواجهم، ولا يستطيعون تسجيل أطفالهم تحت الديانة البهائية، التي استبدلتها الحكومة السابقة بالشرطة (-) ، في إعلان صريح بعدم اعتراف الدولة بالبهائية دينا داخل مصر. تقول منار حسن الناشطة في حقوق البهائيين، إنه لا يوجد من يأخذ رأيهم في مسألة الدستور، بل أنها ترى أن المشكلة في الأساس لا علاقة لها بالدستور ولكن بالقائمين على تنفيذ بنوده، فالدستور القديم ينص على حرية العقيدة، ما يعني أن من حق أي مصري اعتناق ما يريد، لكن نجد المسئولين عن تطبيق الدستور والقانون؛ لا يعترفون سوى بالإسلام والمسيحية واليهودية، رغم أنه لا يوجد يهود في مصر. ورغم أن المسلمين في مصر يكررون دائماً، أن مسلمي مصر كلهم ينتمون إلى المذهب السني، إلا أننا خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأنا نسمع أصواتاً تعلن أن مصر تحتوي على عدد لا بأس به من الشيعة، لكن يرفض أحمد راسم النفيس وكيل مؤسسي حزب التحرير الشيعي، إطلاق كلمة أقليات على الشيعة مؤكدا على ما ذكره الدستور من حرية العقيدة والحرية في ممارسة الشعائر الدينية ويقول: النظام السابق كان يتعامل مع ذلك بقانون العقوبات وتحديدا "ازدراء الأديان"، فكان يمارس "التكفير الديني السياسي" ويعتقل كل من يعرف أنه شيعي، وحتى الآن تلعب المؤسسات الدينية الرسمية في مصر نفس الدور الذي لعبته الكنيسة في العصور الوسطي بأوروبا، واتجهت إلى إطلاق التصريحات السياسية وإنكار بعض الفئات الدينية في المجتمع. النفيس يشدد على مكانة ودور الشيعة في المجتمع الإسلامي سواء في مصر أو العالم، مشيراً إلى إيران الشيعية باعتبارها دولة ذات ثقل سياسي كبير في المنطقة، ولا يمكن حسب قوله، إنكار دورها العظيم فيما يخص القضية الفلسطينية. ورغم رفض النفيس لتمييز المؤسسات الدينية الرسمية في مصر ضد الشيعة، إلا أنه ينهي كلامه قائلاً: الشيعة مسلمون ولا يمكن مقارنتهم بالبهائيين مثلاً!. الدكتور منير مجاهد - رئيس جمعية مصريون ضد التمييز الديني - يأخذنا باتجاه الدولة المدنية التي يحارب قيامها الجماعات الدينية المتطرفة في مصر، ويصفها بالدولة التي تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولا ترتبط بالدين أو الجنس أو العرق، فكل مواطن يخدم في الجيش ويدافع عن الوطن ويدفع الضرائب ويلتزم بالقانون، دون النظر إلى انتمائه الديني لأن من حق كل فرد أن يعتنق الدين الذي يؤمن بأنه وسيلته الحقة للوصول إلى الجنة، يقول دكتور منير: المشكلة لا تكمن في المجتمع الذي لا يعترف سوى بسياسة القطيع أو الجماعة، ولكن المشكلة داخل الأقليات نفسها التي لا تعترف سوى بنفسها دون الفئات الأخرى، ويقتصر تفكيرها فقط على أخذ حقوقها بأنانية دون التفكيرفي من يشاركونها نفس الأزمات، أو حتى تبحث سبل التعاون معها مما يقوى موقفها لنيل حقوقها .
وكما نردد دائماً أن التاريخ لا يكتبه سوى المنتصرين، فالتساؤل هنا هو: هل سيكتب الدستور المصري الجديد، الأغلبية من المسلمين السنة، بينما يستمرون في منهج إنكار وجود أقليات في مصر لها حقوق مواطنة، أم أن روح ثورة 25 يناير، التي شارك فيها كل أطياف الشعب المصري، من مسلمين سنة وشيعة، وبهائيين ونوبيين ومسيحيين، وتزعمت فيها المرأة مسيرات واعتلت منصات وعلا صوتها بالهتاف في الساحات والميادين، ستنتصر في النهاية ويشارك المصريون جميعاً في وضع دستورهم؟